واختلف العلماء في معنى هذا الحديث فذكر بعضهم أن المراد من الحشر في هذا الحديث هو الحشر من القبور الذي سيقع في الآخرة والفرق الثلاثة المذكورة في الحديث نظير قوله تعالى في سورة الواقعة:{وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} فالمراد من قوله راغبين راهبين عامة المؤمنين وهم من خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا فيترددون بين الخوف والرجاء يخافون عاقبة سيئاتهم ويرجون رحمة الله بإيمانهم وهؤلاء أصحاب الميمنة. وقوله:(واثنان على بعير وثلاثة على بعير إلى قوله وعشرة على بعير) يراد به السابقون المقربون وهم أفاضل المؤمنين يحشرون ركبانًا، وركوبهم يحتمل الحمل دفعة واحدة تنبيهًا على أن البعير المذكور يكون من بدائع فطرة الله تعالى حتى يقوى على ما لا يقوى عليه غيره من البعران، ويحتمل أن يراد به التعاقب وإنما سكت عن الواحد إشارة إلى أنه يكون لمن فوقهم في المرتبة كالأنبياء ليقع الامتياز بين النبي ومن دونه من السابقين في المراكب كما وقع في المراتب، وأما قوله:(وتحشر بقيتهم النار الخ) فإنما أراد به أصحاب المشأمة، والمراد من كون النار تبيت معهم حيث باتوا وتقيل حيث قالوا أنها تلزمهم كل وقت ولا تفارقهم، وهذا معنى على القول بأن المراد من الحشر المذكور في الحديث هو الحشر من القبور إلى الآخرة وعلى هذا المعنى حلنا السابق آنفًا.
وذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الحشر المذكور في هذا الحديث هو حشر يقع في الدنيا بقرب القيامة وهو من أشراط الساعة التي ستأتي في صحيح مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث حذيفة بن أسيد مرفوعًا "إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات" فذكر الدخان والدجال إلى أن قال وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم "وعلى هذا القول نقول في حل معنى الحديث (عن أبي هريرة) " رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يحشر الناس على ثلاث طرائق) أي على ثلاث فرق فرقة تحشر (راغبين راهبين) وهذه الفرقة هي التي اغتنمت الفرصة وسارت على فصحة من الظهر وشمرة من الزاد راغبة فيما تستقبله راهبة عما تستدبره (و) الفرقة الثانية تقاعدت حتى قل الظهر وضاق على أن يسعهم لركوبهم فردًا فردًا فاشتركوا فركب منهم (اثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة) يعتقبون (على