عرض عليه مقعده) الخ هذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار عن غير الشهداء، فإنه قد تقدم أن أرواحهم في حواصل طير تسرح في الجنة وتأكل من ثمارها، وغير الشهداء إما مؤمن وإما غير مؤمن فغير المؤمن هو الكافر فهذا يرى مقعده من النار غدوًا وعشيًّا، وهذا هو المعني بقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦)} [غافر: ٤٦] وأما فإما أن لا يدخل النار أو يدخلها بذنوبه فالأول يرى مقعده من الجنة لا يرى غيره رؤية خوف، وأما المؤمن المؤاخذ بذنوبه فله مقعدان مقعد في النار زمن تعذيبه ومقعد في الجنة بعد إخراجه فهذا يقتضي أن يعرضا عليه بالغداة والعشي إلا إن قلنا إنه أراد بأهل الجنة كل من يدخلها كيف كان فلا يحتاج إلى ذلك التفسير والله أعلم.
وهذا الحديث وما في معناه يدل على أن الموت ليس بعدم وإنما هو انتقال من حال إلى حال ومفارقة الروح للبدن ويجوز أن يكون هذا العرض على الروح وحده ويجوز أن يكون عليه مع جزء من البدن والله أعلم بحقيقة ذلك، والمراد بالغداة والعشي وقتهما وإلا فالموتى لا صباح عندهم ولا مساء اهـ من المفهم.
قال النووي: والغرض من ذكر هذه الأحاديث إثبات عذاب القبر على مذهب أهل السنة وقد تظاهرت به الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية جماعة من الصحابة في مواطن كثيرة ولا يمتنع في العقل أن يعيد الله تعالى الحياة في جزء من الجسد ويعذبه وإذا لم يمنعه العقل وورد الشرع به وجب قبوله واعتقاده اهـ بأدنى تصرف والتفصيل فيه.
قوله (إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة) قال العيني: يعني إن كان الميت من أهل الجنة فمقعده من مقاعد أهل الجنة يعرض عليه كما أشرنا إليه في حلنا أولًا. قال الطيبي: يجوز أن يكون المعنى إن كان من أهل الجنة فسيبشر بما لا يكتنه كنهه لأن هذا المنزل الطليعة تباشير السعادة الكبرى لأن الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الفخامة اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٢/ ١١٣]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الجنائز باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي [١٣٧٩]، والترمذي