فتنة) عظيمة (القاعد فيها) أي في حالة وقوعها لا يتحرك عن محله (خير من الماشي فيها والماشي فيها خير من الساعي إليها) فالحديث إلى آخره كله تضمن الإخبار عن وقوع فتن هائلة عظيمة بعده والأمر بالكف عنها والفرار منها (ألا) حرف استفتاح وتنبيه كسابقتها ألا (فإذا نزلت) بكم فتن (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي فإذا (وقعت) فيكم فتن، والشك من الراوي أو ممن دونه (فمن كان له إبل) في البوادي (فليلحق بإبله) أي فليذهب إليها فرارًا من الوقوع فيها (ومن كانت له كنم) ترعى في البادية (فليلحق بغنمه ومن كانت له أرض) أي بساتين ومزارع في البوادي (فليلحق بأرضه قال) أبو بكرة (فقال رجل) من الحاضرين لم أر من ذكر اسمه (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض) فأي شيء يفعل في السلامة والنجاة منها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعمد) من باب ضرب أي يقصد ذلك الذي ليس له مفر ولا ملحق (إلى سيفه فيدق على حده بحجر) أي فيأخذ بحجر ويضعه على حده أي على طرفه الحاد فيدقه أي فيكسر طرفه الحاد بحجر، قال القرطبي: هذا محمول على ظاهره وذلك أنه إذا فعل ذلك لم يكن له شيء يستعين به على الدخول فيها فيفر منها أو سلم اهـ مفهم، قال النووي: وقيل هو مجاز والمراد ترك القتال والأول أصح (ثم لينج) أي ليفر ويسرع هربًا حتى لا تصيبه الفتن (إن استطاع النجاء) أي الإسراع هو من نجا ينجو نجاء ونجاة بمعنى الخلاص منها والسلامة عنها، والمعنى أي ليسرع إن وجد إلى ذلك سبيلًا.
قال القرطبي: وقد قال بظاهر هذه الأحاديث جماعة من السلف فاجتنبوا جميع ما وقع بين الصحابة من الخلاف والقتال منهم أبو بكرة وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد فأما عبد الله بن عمر فندم على تخلفه عن نصر علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال عند موته: ما آسى على شيء ما آسى على تركي قتال الفئة الباغية يعني فئة معاوية، وأما محمد بن مسلمة فاتخذ سيفًا من خشب وقال: إن رسول الله صلى الله عليه