هذا التركيب قولان لهما مقول مختلف: الأول يقول فمقوله بؤس ابن سمية، والثاني لفظة قال المذكور أولًا فمقوله "تقتلك فئة باغية" ففيه من المحسنات البديعية اللفظية اللف والنشر المشوش وهو مما يزيد الحسن والبلاغة في الكلام أي قال له تقتلك فئة باغية حين حفره الخندق وحين مسحه رأسه وحين قوله له بؤس ابن سمية فمسح رأسه إيناس له وقوله بؤس ابن سمية توطئة لما بعده، قال النووي: البؤس والبأساء المكروه والشدة والضرر وناداه تنزيلًا له منزلة العاقل والمعنى يا بؤس ابن سمية ما أشدك وأعظمك أو تعال إلي لأتعجب منك فهو منصوب على أنه منادى مضاف حُذف منه حرف النداء تخفيفًا تقديره يا بؤس ابن سمية وسمية اسم لأم عمار بن ياسر رضي الله عنه.
وفي الرواية الآتية: يا بؤس ابن سمية، وفي البخاري: يا ويح ابن سمية، وكلاهما بمعنى التفجع والترحم، والمعنى يا قوم أتفجع وأتحزن وأترحم على ابن سمية والويل بمعنى الهلكة هذا هو الصحيح اهـ / (ط).
وهذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أخبر أن عمارًا رضي الله عنه سيموت مقتولًا، ووقع كذلك وأنه تقتله فئة بغت على الإمام الحق ومن المعلوم تاريخيًّا أنه قُتل بصفين وهو من حزب علي رضي الله عنه وهو من أوضح الدلائل على أن عليًّا رضي الله عنه كان هو المحق المصيب في حروبه مع معاوية رضي الله عنه وإن كان معاوية وأصحابه معذورين في اجتهادهم وقد يستشكل موقف معاوية وأصحابه رضي الله عنهم بعدما قُتل عمار بأيديهم فإنه ظهر بهذا النص الصريح أن قتلته بغاة فكيف ثبتوا بعد ذلك على موقفهم وهل يُقبل اجتهاد بمعارضة نص صريح، والجواب أنه يمكن أنه قد بلغهم أن عمارًا رضي الله عنه إنما قُتل على يد بعض الناس الذين بغوا على عثمان رضي الله عنه وكان بعضهم في عسكر علي رضي الله عنه ولذلك قال معاوية رضي الله عنه إنما قتل عمارًا من جاء به ذكره الطبري في تاريخه [٤/ ٢٩] وابن كثير في البداية والنهاية [٧/ ٢٧] وهكذا اشتبه عليه الأمر ولم يخالف هذا النص الصريح بل زعم أنه مؤيد له لا لمخالفيه وكان هذا القتال أمرًا مقدرًا عليهم فظهرت أسباب ثبت كل من الفريقين لأجلها على موقفه ولا يليق بنا أن نتشاغل في تفصيل هذا القتال بأكثر من هذا امتثالًا لقوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤)} [البقرة: ١٣٤].