بقدر استطاعته وقدرته على كظمه ورده بوضع يده على فمه لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخوله فمه وضحكه منه وأمره بالتفل ليطرح ما عسى أن يكون الشيطان ألقاه في فيه أو لما مسه من ريقه إن كان دخله، قال الأبي: وفي المدونة وكان مالك إذا تثاءب سد فاه بيده ونفث في غير الصلاة، وما أدري ما فعله في الصلاة اهـ.
قوله (التثاؤب من الشيطان) والتثاؤب مهموز يقال ثئب الرجل بالبناء للمجهول وتثاءب إذا أصابه كسل وفترة كما في القاموس، ثم استعير للفعل المخصوص الذي يفتح فيه المرء فمه لإدخاله الهواء أو لإخراجه، والاسم ثوباء، قال ابن بطال: إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة للرضا والإرادة أي إن الشيطان يحب أن يرى الرجل متثائبًا لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه وليس المراد أن الشيطان فعل التثاؤب اهـ والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك وهو التوسع في المآكل والمشارب، ومعنى (إذا تثاءب أحدكم) أي إذا أراد أن يتثاءب أو كاد أن يتثاءب (فليكظم ما استطاع) أي فليأخذ في أسباب رده مثل أن يمسك شفته السفلى بثناياه أو بطريق آخر، والتجربة أن عدم الالتفات إلى التثاؤب والاشتغال بعمل ينافي الكسل يفيد في كظم التثاؤب، ومن أقوى طرق رد التثاؤب أن يستحضر هذا الحديث، وقال بعض الشافعية: ومن المجرب في دفع التثاؤب أن يضع ظهر كف يده اليسرى على الفم عند إرادة التثاؤب، ومن المجرب في دفع الضحك إذا غلبك أن تنظر إلى أظفار يدك، وقد بينوا حكمة ذلك فراجع إلى كتبهم والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في كتاب الأدب باب ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب [٦٢٢٣]، وأبو داود في الأدب باب ما جاء في التثاؤب [٥٠٢٨]، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في كراهية التثاؤب في الصلاة [٣٧٠] وفي الأدب باب ما جاء إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب [٢٧٤٦ و ٢٧٤٧]، وأحمد [٢/ ٤٢٨]، وابن خزيمة [٢/ ٦١]، وابن حبان [١/ ٤٠١ و ٤/ ٤٤]، والبغوي [١٢/ ٣٠٦].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما - فقال: