للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تتمة] قال القرطبي: (وقول همام إن رجلًا جعل يمدح عثمان فجعل المقداد يحثو في وجهه الحصباء) كأن هذا الرجل أكثر من المدح حتى صدق عليه أنه مدّاح ولذلك عمل المقداد بظاهر هذا الحديث فحثا في وجهه التراب، ولعل هذا الرجل كان ممن اتخذ المدح عادة وحرفة فصدق عليه وإلا فلا يصدق ذلك على من مدح مرة أو مرتين أو شيئًا أو شيئين، وقد بين الصحابي أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الحديث حمله على ظاهره فعاقب المدّاح برمي التراب في وجهه، وهو أقعد بالحال وأعلم بالمقال، وقد أوّله غير ذلك الصحابي بتأويلات لأن ذلك الغير رأى أن ظاهر هذا الحديث وهو الرمي بالحصى جفاء والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر بالجفاء فقال إن معنى هذا الحديث خيبوهم ولا تعطوهم شيئًا لأن من أعطي التراب لم يُعط شيئًا كما قد جاء في الحديث الآخر "إذا جاء صاحب الكلب يطلب ثمنه فاملأ كفه ترابًا" رواه أحمد [١/ ٢٨٩] أي خيبه ولا تعطه شيئًا، وقيل إن معناه أعطه ولا تبخل عليه، فإن مآل كل ما يُعطى إلى التراب كما قال أبو فراس الحمداني:

إذا صح منك الود فالكل هيّن ... وكل الذي فوق التراب تراب

وقيل معناه التنبيه للممدوح على أن يتذكر أن المبدأ والمنتهى التراب فليعرضه على نفسه لئلا يعجب بالمدح وعلى المدّاح لئلا يفرط ويطري بالمدح وأشبه المحامل بعد المحمل الظاهر الوجه الأول وما بعده ليس عليه معول اهـ من المفهم.

والحاصل أن في هذا الحديث ست تأويلات:

الأول: أنه محمول على حقيقته فينبغي أن يحثى التراب على وجه المادح حقيقة وهو الذي استعمله المقداد - رضي الله عنه - راوي الحديث.

والثاني: أن حثي التراب كناية عن تخييبه والمراد من المدّاحين من يتملق لأخذ المال والصلة وتخييبه أن لا يُعطى أو من يريد الفتنة بإلقاء العُجب في نفس الممدوح فتخييبه أن لا يعجب الإنسان بنفسه.

والثالث: أن المراد أن يقول الممدوح للمادح بفيك التراب والعرب تستعمل ذلك لمن تكره قوله.

والرابع: أن يأخذ الممدوح ترابًا فيبذره بين يديه ليتذكر أصله وأن مصيره إليه فلا

<<  <  ج: ص:  >  >>