إن لم يرجع (نفعلوا) أي ففعل أصحاب الملك ما أمرهم به الملك من قذف من لم يرجع عن دينه في تلك النار (حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها) فأمروها بدخول النار (فتقاعست) تلك المرأة لأجل ولدها أي توقفت وامتنعت عن دخولها ولزمت موضعها وكرهت الدخول في النار أي تباطأت وتأخرت عن (أن تقع) وتسقط (فيها) أي في النار (فقال لها الغلام) أي صبيها (يا أمه) بكسر الميم على حذف ياء المتكلم اجتزاء عنها بالكسرة وبهاء السكت وبفتح الميم مع هاء السكت على قلب ياء المتكلم ألفًا وحذفها اجتزاء عنها بالفتحة، وعلى كلا التقديرين حركت هاء السكت لالتقاء الساكنين أي يا أمي (اصبري) على هذه النار فادخليها (فإنك على الحق) الذي هو التوحيد، قيل إن هذا الغلام الذي كلم الأم أحد الستة الذين تكلموا في المهد كما في شرح الأبي وكونه في المهد ليس صريحًا في رواية المؤلف ولكن وقع عند النسائي في السنن الكبرى "فجاءت امرأة بابن لها ترضعه" وهو صريح في كون الصبي رضيعًا ولم أر من ذكر اسم هذا الغلام. وفي رواية الترمذي في آخر هذا الحديث زيادة وهي قال: "فأما الغلام فإنه دُفن، قال: فيذكر أنه أُخرج في زمن عمر بن الخطاب وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قُتل" قال صاحب التحفة: قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حُدّث أن رجلًا من أهل نجران كان زمن عمر بن الخطاب حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجد عبد الله بن الثامر تحت مقبرة دُفن فيها قاعدًا واضعًا يده على ضربة في رأسه ممسكًا عليها بيده فإذا أخذت يده عنها انبعث دمًا وإذا أُرسلت يده رُدّت عليها فأمسكت دمها وفي يده خاتم مكتوب فيه: ربي الله، فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبره بأمره، فكتب عمر إليهم أن أقروه على حاله، وردوا عليه الذي كان عليه ففعلوا اهـ من التحفة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في تفسير سورة البروج [٣٣٤٠]، والنسائي في الكبرى [٦/ ٥١٠]، وأحمد [٦/ ١٧]، وابن حبان [٢/ ١١٦ و ١١٧].
وهذا الحديث إنما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه ليصبروا على ما يلقون من الأذى والآلام والمشقات التي كانوا عليها ليتأسوا بمثل هذا الغلام في صبره وتصلبه