قال أبو بكر (فقدمنا المدينة ليلًا فتنازعوا) أي فتنازع الأنصار واختلفوا (أيهم ينزل) أي على أي منهم ينزل (عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنزل) أنا (علي بني النجار أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك) أي بنزولي عندهم (فصعد الرجال والنساء فوق البيوت) وسطوحها (وتفرق الغلمان والخدم في الطرق) والزقاق، حالة كونهم (ينادون يا محمد يا رسول الله يا محمد يا رسول الله) قال القاضي: وفي هذا إظهار ما وضع الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من المحبة في القلوب وخص الله سبحانه به الأنصار رضي الله عنهم من التكرمة والخير في إعزازهم رسوله صلى الله عليه وسلم ونصرته اهـ من الأبي.
قوله (فتنازعوا على أيهم ينزل) قال الأبي: ليس في السير أنهم تنازعوا وإنما فيها أنه لما سمعت الأنصار أنهم خرجوا من مكة فكانوا يتوقعون دخوله فيخرجون إذا صلوا الصبح إلى ظاهر الحرة ينتظرونه فما يبرحون منها حتى تغلبهم الشمس على الظلال فيدخلون بيوتهم وبقوا على ذلك أيامًا، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا حين دخلوا البيوت، وكان أول من رآه يهودي وكان قد رأى ما يصنعون من انتظاره فنادى بأعلى صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء فخرجوا فوجدوه في ظل نخلة ومعه أبو بكر في مثل سنه وأكثرهم لم يكن رآه وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر رضي الله عنه فأظله بردائه فعرفوه عند ذلك فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف فأقام فيهم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، ثم رحل فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلى عندهم ثم أتاه عتبان بن مالك وعباس بن عبادة في رجال من بني سالم فقالوا: يا رسول الله أقم عندنا في العدد والعُدد والمنعة فقال: "خلوا سبيلها، فإنها مأمورة" لناقته، فانطلقت حتى أتت دار بني بياضة، فقالوا له مثل ذلك، فقال لهم مثل ذلك، فخلوا سبيلها، حتى وافت دار بني الحارث بن الخزرج فقالوا له مثل ذلك، فقال لهم مثل