المجازي فمسلم لأن المصدر يكثر الوصف به، وإن أراد أنه صفة حقيقة فخطؤه ظاهر لتصريحهم بأن رجل خصم مثل رجل عدل اهـ من القسطلاني.
قال القرطبي: قوله (هذان خصمان) إشارة إلى الفريقين اللذين ذكرهما أبو ذر وهما علي وحمزة وعبيدة وهم المؤمنون، والفريق الآخر عتبة وشيبة والوليد بن عتبة التقيا يوم بدر في أول الحرب فافتخر المشركون بدينهم وانتسبوا إلى شركهم وافتخر المسلمون بالإسلام وانتسبوا إلى التوحيد ولما خرج المشركون ودعوا إلى البراز خرج إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبد الله بن رواحة الأنصاري فلما انتسبوا لهم قالوا: أكفاء كرام ولكنا نريد من قومنا فخرج إليهم حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعلي رضي الله عنه فأما حمزة وعلي فلم يمهلا صاحبيهما فقتلاهما، واختلفت بين عبيدة وشيبة ضربتان كلاهما أثبت صاحبه وكر حمزة وعلي على شيبة فقتلاه واحتملا صاحبيهما فمات من جرحه ذلك بالصفراء عند رجوعه، وقال قتادة: هم أهل الكتاب افتخروا بسبق دينهم وكتابهم، فقال المسلمون: كتابنا مهيمن على الكتب ونبينا خاتم الأنبياء، وقال مقاتل: هم أهل الملل في دعوى الحق اهـ من المفهم.
ثم إن هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على البخاري ومسلم لإخراجهما إياه في صحيحيهما وزعم الدارقطني أن في إسناده اضطرابًا فمرة رواه قيس بن عباد عن أبي ذر، وأخرى روى عن علي قوله (أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن) ثم أضاف من عنده أن الآية نزلت فيهم، وفي رواية النسائي نسبه إلى علي نفسه، وقد ذكر البخاري من طريق جرير عن منصور عن أبي هاشم أنه قولُ أبي مجلز.
وأجاب العلّامة النووي والحافظ ابن حجر في فتح الباري [٨/ ٤٤٤] عن هذا الاعتراض بأنه ليس اضطرابًا وإنما سمعه قيس بن عباد من أبي ذر وعلي رضي الله عنهما كليهما فمرة رواه عن أبي ذر وأخرى عن علي، واكتفى مرة في رواية عن علي بقوله (أنا أول من يجثو .. ) إلخ ورواه أخرى عنه بتمامه، وكذلك أبو مجلز رواه مرة عن قيس بن عباد عن أبي ذر وأخرى ذكر سبب النزول من عند نفسه فالراوي تارة يروي وتارة يفتي ولا منافاة بين الأمرين ولا يكون ذلك اضطرابًا ولا يقدح ذلك في صحة الحديث إذا كان الرواة في جميع الروايات ثقات حفاظًا ورجال كل واحد من هذه الروايات ثقات أثبات.