للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ"

ــ

شدة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بأمر أمته، وتعلق قلبه بما يُنجيهم، وخوفه عليهم، ولذلك سكن جبريل قلبه بهذه البشرى، وهذا نحو من حديث عمرو بن العاص الذي قال فيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم - عليه السلام - {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: ٣٦]، وقول عيسى - عليه السلام - {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: ١١٨] فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وبكى وقال: "ربِّ أمتي أمتي" فنزل عليه جبريل فقال له مخبرًا عن الله تعالى: "إن الله سيرضيك في أمتك ولا يسوؤك" رواه مسلم برقم (٢٠٢)، وهذا منه صلى الله عليه وسلم مقتضى ما جبله الله تعالى عليه من الخلق الكريم، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم اهـ.

وقوله (لا يشرك بالله شيئًا) معناه بحكم أصل الوضع، لا يتخذ معه شريكًا في الألوهية ولا في الخلق كما قدمناه، لكن هذا القول قد صار بحكم العرف عبارة عن الإيمان الشرعي ألا ترى أن من وحد الله تعالى ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينفعه إيمانه بالله تعالى ولا توحيده، وكان من الكافرين بالإجماع القطعي اهـ منه.

قال أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم أيدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق قال) صلى الله عليه وسلم لأبي ذر نعم يدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق) وارتكب الكبائر كلها، لأن عنده حجة الجنة الذي هو الإيمان.

قال النواوي: وهذا حجة لأهل السنة، أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها وخُتم لهم بالخلود في الجنة اهـ.

وقال القاضي: قوله (وإن زنى وإن سرق) هذا على ما تقدم من أن الذنوب لا توجب التخليد في النار، وأن كل من مات على الإيمان يدخل الجنة حتمًا، لكن من له ذنوب في مشيئة الله تعالى، من معاقبته عليها أو عفوه، ثم لا بد له من دخول الجنة اهـ.

وقال الأبي: قوله "وإن زنى وإن سرق" قال ابن مالك لا بد هنا من تقدير أداة الاستفهام، أي أَوَ إن زنى وسرق يدخل الجنة؟ وقدره غيره أيدخل الجنة وإن زنى وسرق وتكون الجملة حالًا، وترك ذكر الجواب تنبيهًا لمعنى الإنكار اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>