فالمقصود بذكره التحذير عن أن يقع أحد في مثله، فآذته تلك القرحة وآلمته (فلما آذته) وآلمته ألمًا شديدًا (انتزع) وأخرج (سهمًا) أي نشابًا (من كنانته) أي من جعبة سهامه وكيسها، والكنانة بكسر الكاف هي جعبة النشاب، والجعبة بفتح الجيم وسكون العين كيس من أديم توضع فيه السهام، سميت كنانة لأنها تكن السهام أي تسترها (فنكأها) بهمز آخره، أي نكأ تلك القرحة، أي قشرها وخرقها، وفتحها لإخراج ما فيها من الصديد والقيح، والقشر بالفتح إزالة القشر بالكسر، فخرج من تلك القرحة بعد قشرها الدم والماء لا القيح والصديد (فلم يرقأ) بهمز آخره، أي لم ينقطع عنه (الدم) بل سال منه كثيرًا (حتى مات) بسبب قشرها وسيلان الدم منه، يقال: رقأ الدم والدمع يرقأ رقوءًا، مثل ركع يركع ركوعًا إذا سكب وانقطع (قال ربكم) وخالقكم، وفي نسخة الأبي (فقال) بزيادة الفاء التعقيبية، أي قال ربكم في شأن ذلك الرجل على لسان نبي ذلك الزمان: أيتها الأمة إني (قد حرمت) ومنعت (عليه) أي على ذلك الرجل الذي قشر قرحته فمات (الجنة) أي دخولها أصلًا إن كان مستحلًا قتل نفسه، أو حتى يُعاقب ويُجازى على قتل نفسه إن لم يكن مستحلًا ذلك، قال القاضي: وتحريم الجنة عليه يدل على أنه فعله مستحلًا، أو يعني أنه لا يدخلها ابتداءً حتى يُجازى ويُعاقب، أو حتى يُحبس على الأعراف ويُطال حبسه إن لم يكن مستحلًا، قال النواوي: أو يكون من شرع أهل ذلك العصر التكفير بالذنوب الكبائر، ثم إن هذا محمول على أنه نكأها استعجالًا للموت أو لغير مصلحة، فإنه لو كان على طريق المداواة التي يغلب على الظن نفعها لم يكن حرامًا، والله أعلم انتهى.
(ثم) بعد ما حدَّث لنا الحسن هذا الحديث لما سألناه عمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (مد) الحسن وبسط (يده) اليمنى (إلى المسجد) الذي كان في البصرة قريبًا منهم، تأكيدًا لسماعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عن القصاص، قال الأبي: ومدُّ يده تأكيدٌ لثبوت السماع (فقال) الحسن (أي) أي نعم حدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عن القصاص (والله) أي أقسمت لكم بالإله الذي لا إله غيره (لقد حدثني) وروى لي (بهذا الحديث) الذي حدثته لكم (جندب) بن عبد الله بن