(قال) أبو هريرة (ففزع) أي فجع (الناس) الحاضرون من قول الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك العبد (فجاء رجل) ممن سمع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم (بشراك) واحد، والشراك: هو السير المعروف الذي يكون في النعل على ظهر القدم (أو) قال أبو هريرة بـ (ـشراكين) بالتثنية، والشك من أبي الغيث، أو ممن دونه (فقال) ذلك الرجل (يا رسول الله أصبت) هذا الشراك أو هذين الشراكين، من الغنيمة قبل قسمتها (يوم خيبر) فاقبله مني، ففيه حذف مفعول أصبت، لعلمه من السياق.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للرجل لك (شراك من نار) يوم القيامة على أخذك هذا الشواك من الغنيمة (أو) قال له الرسول صلى الله عليه وسلم لك يوم القيامة (شراكان من نار) عقوبة لك على أخذ هذين الشراكين، قال القاضي عياض: قوله (إن الشملة لتلتهب عليه نارًا) وفي الآخر (شراك أو شراكان من نار) تنبيه على المعاقبة عليهما، ويحتمل أنهما صارتا عليهما نارًا حقيقة، فتكون المعاقبة بهما أنفسهما فيعذبان بهما وهما من نار، ويحتمل أنهما سبب تعذيبهما بالنار، وفي هذا الحديث دليل لإحدى الروايتين عن مالك رحمه الله تعالى في منع أخذ المحتاج إليه من غير الطعام من الغنيمة، إلا أن يقال إنه أخذه لغير حاجة، بدليل أنها أخرجت من الرحل، ولو أخذت لحاجة لاستعملت فيها ولم تستتر، أو أنه أخذها للحاجة ولم يردها إلى الغنيمة بعد قضاء حاجته، والحديث يدل على أن القليل والكثير من الغلول سواء، وأنه لا يحرق متاع الغال إذا لم يذكر ذلك.
قال النواوي: وأما أحكام الحديثين أعني حديث عمر، وحديث أبي هريرة فمنها: غلظ تحريم الغلول، ومنها أنه لا فرق بين قليله وكثيره حتى الشراك، ومنها أن الغلول يمنع من إطلاق اسم الشهادة على من غل إذا قتل، ومنها أنه لا يدخل الجنة أحد ممن مات على الكفر وهذا بإجماع المسلمين، ومنها جواز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة لقوله صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده، ومنها أن من غل شيئًا من الغنيمة يجب عليه رده، وأنه إذا رده يقبل منه، ولا يحرق متاعه سواء رده أو لم يرده فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحرِّق متاع صاحب الشملة، وصاحب الشراك، ولو كان واجبًا لفعله، ولو فعله لنقل.