قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولن يهلك على الله إلا هالك" قال القاضي عياض: لأنه تعالى أكثر الحسنات فكتب بترك السيئة حسنة، وكتب الهمَّ بالحسنة حسنة، وإن عملها كتبها عشرًا إلى سبعمائة ضعف وأكثر، وقلل السيئات فلم يكتب الهم بالسيئة، وكتبها إن فعلت واحدة فلن يهلك مع سعة هذه الرحمة إلا من حقت عليه الكلمة انتهى.
قال السنوسي: قوله (ولا يهلك على الله إلا هالك) الظاهر أن على بمعنى مع على حذف مضاف، أي لا يهلك مع فضل الله إلا هالك، أي محروم في علم الله تعالى، ونكتة التعبير بعلى التنبيه على ضعف العباد وأنهم لا يستطيعون لأنفسهم النهوض إلى شيء، لكنه تعالى تفضل بالهداية، وإكمال العقل، ودفع الموانع أولًا، ثم تفضل مع ذلك بتضعيف الثواب والمن بعلى الدرجات ثانيًا، فقد حمل بفضله المؤن كلها في ذلك، وبالغ في رفقه بالسير بالعباد في مراشدهم بحيث لا يهلك على هذا الفضل المركوب الهني السهل بحسب الظاهر إلا هالك، وجعل هذا الفضل مركوبًا لكل عاقل لركوبه على أسبابه العادية من العقل وغيره، من أسباب الهدايات، وتمكنه منها ثمَّ مع ذلك يسقط عن ظهرها ويهلك من سبق عليه من الله تعالى الشقاء، فكأنه متلبس بالهلاك حينئذ، والهلاك الواقع لا يمكن رفعه، وهذا نكتة التعبير باسم الفاعل الذي هو هالك للمبالغة في جعله ملتبسًا بالهلاك ولا حول ولا قوة إلا بالله اللهم الطف بنا بفضلك العميم الواسع في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين انتهى.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان، الأول: حديث أبي هريرة، وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث ابن عباس، وذكر فيه متابعة واحدة.