له، أو مخلدًا فيها (وحرم عليه الجنة) أي دخولها ابتداءً، أو أصلًا (فقال له) صلى الله عليه وسلم (رجل) من الحاضرين أوجب الله له النار (وإن كان) الذي اقتطعه (شيئًا يسيرًا) أي حقًّا قليلًا (يا رسول الله، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوجب الله له النار (وإن) كان الذي اقتطعه (قضيبًا من أراك) أي غصنًا رطبًا صغيرًا من شجر أراك.
قوله:(من اقتطع حق امرئ مسلم) واقتطع بوزن افتعل الخماسي، وعدل إلى التعبير به دون قطع، لأنه أخص لإشعاره بالعمد، قال النواوي: ولا يختص قطع الحق بكونه ماليًّا، فيدخل فيه الاختصاص، فلو حلف على جلد ميتة، أو على سِرجين، أو لاعن، أو حلف في نكاح، أو طلاق، وهو مبطل تناوله الوعيد المذكور في الحديث، وقال القاضي: ولا يختص أيضًا بكون الحق لمسلم، لأن الحديث خرج مخرج الغالب، فالمسلم وغيره سواء في حرمة قطع حقه فأما في العقوبة فينبغي أن يكون قطع حق الكافر أخف، قال الأبي: وكان الشيخ يختاره ويوجهه بما ثبت من رفع درجة المسلم على الكافر، بدليل أنه لا يقتل به، وغير ذلك.
قوله (فقد أوجب الله له النار) قال القرطبي: أي إن كان مستحلًا لذلك لكفره باستحلاله، فإن كان غير مستحل له، وكان ممن لم يغفر الله له فيعذبه الله في النار ما شاء من الآباد، وفيها تحرم عليه الجنة، ثم يكون حاله كحال أهل الكبائر من الموحدين، ويستفاد من هذا الحديث: أن اليمين الغموس لا يرفع إثمها الكفارة، بل هي أعظم من أن يكفرها شيء، كما هو مذهب مالك على ما يأتي في الإيمان إن شاء الله تعالى انتهى.
وقال القاضي عياض: عظصت هذه اليمين لأنها غموس، والغموس من أكبر الكبائر الموبقة مع ما فيها من تغيير حكم الشرع في الظاهر، من استحلال الحرام بها وإظهارها الباطل في صورة الحق، وتصييرها المحق في صورة المبطل، والمبطل في صورة المحق، ولهذا عظُم أمرها، وأمر شهادة الزور.
قال الأبي: وكان الشيخ يقول إنها أخص من الغموس، لوجود الغموس في غير قطع الحق فلا يتناوله الوعيد، وكذلك لا يتناول قطع الحق بغير يمين كالغصب والحديث من نوع ما تقدم في الحاجة إلى التأويل.