أن يجرد من نفسه نفسًا فيخاطبها فكأن مريم قالت يا نفسي ليتني مت وتقديره هنا يا محمد ليتني أن أكون موجودًا في أيام دعوتك إلى التوحيد حالة [كوني] جذعًا أي شابًّا قويًّا لأنصرك نصرًا مؤزرًا على من عاداك والجذع هو الصغير من البهائم واستعير للإنسان أي يا ليتني كنت شابًّا عند ظهور نبوتك حتى أقوى على المبالغة في نصرتك. اهـ ق
قال القرطبي: قوله (يا ليتني فيها جذعًا) الضمير في (فيها) عائد على النبوة أي في أيام نبوتك تمنى نصرته في مدة نبوته و (جذعًا) كذا صحت الرواية بالنصب فيه وعند ابن ماهان (جذع) بالرفع على أنه خبر (ليت) وكذا هو في "البخاري" ونصبه على أحد ثلاثة أوجه:
(أولها) على أنه خبر كان مقدرة أي يا ليتني أكون فيها جذعًا وهذا على رأي الكوفيين كما قالوا في قوله تعالى: {انْتَهُوا خَيرًا لَكُمْ} أي يكون خيرًا لكم، ومذهب البصريين أن (خيرًا) إنما انتصب بإضمار فعل دل عليه انتهوا، والتقدير انتهوا وافعلوا خيرًا، وقال الفراء: هو نعت لمصدر محذوف تقديره انتهوا انتهاء خيرًا لكم.
و(ثانيها) أنه حال وخبر ليت متعلق الجار والمجرور في (فيها) فيكون التقدير ليتني كائن فيها أي في مدة النبوة حالة كوني جذعًا.
و(ثالثها) أن يكون ليت أعملت عمل تمنيت فنصبت اسمين كما قاله الكوفيون وأنشدوا عليه:
يا ليت أيام الصبا رواجعا
وهذا فيه نظر. اهـ
وخص الجذع دون ما فوقه حرصًا على نمو قوته حتى يحضر معه جميع خطوبه والجذع هنا استعارة أو تشبيه بليغ فكأنه يقول: ليتني أكون شابًّا، فحذف الشاب واستعار له لفظ الجذع وهو من استعارة محسوس لمحسوس والجامع عقلي إذ المراد ما يترتب عليهما في الكفاية والإغناء وعبر بعضهم عن هذا الجامع بالقوة على النصرة وبعضهم جعله تشبيهًا وجعل وجه الشبه الأولية أي يا ليتني أن أكون أول من يجيبك ويؤمن كالجذع الذي هو أول الأسنان ولا خفاء بما فيه من الضعف. اهـ سنوسي.
(فإن قلت) كيف تمنى ورقة مستحيلًا وهو عود الشباب (أجيب) بأنه يسوغ تمني