لقول الله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} ولقول الله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} والصحابي إذا قال قولًا وخالفه غيره منهم لم يكن قوله حجة، وإذا صحت الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية وجب المصير إلى إثباتها فإنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن وإنما يتلقى بالسماع، ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد، وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس: ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس ثم إن ابن عباس أثبت شيئًا نفاه غيره والمثبت مقدم على النافي هذا كلام صاحب التحرير.
فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم، وإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا مما لا ينبغي أن يشكك فيه، ثم إن عائشة رضي الله تعالى عنها لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان معها فيه حديث لذكرته وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات وسنوضح الجواب عنها بقولنا:
فأما احتجاج عائشة بقول الله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} فجوابه ظاهر فإن الإدراك هو الإحاطة والله تعالى لا يحاط به وإذا ورد النص بنفي الإحاطة لا يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة وأجيب عن الآية بأجوبة أخرى لا حاجة إليها مع ما ذكرناه فإنه في نهاية من الحسن مع اختصاره.
وأما احتجاجها رضي الله تعالى عنها بقول الله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا} الآية، فالجواب عنه من أوجه:
(أحدها) أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية فيجوز وجود الرؤية من غير كلام.
(الثاني) أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة.
(الثالث) ما قاله بعض العلماء أن المراد بالوحي الكلام من غير واسطة وهذا الذي قاله هذا القائل وإن كان محتملًا لكن الجمهور على أن المراد بالوحي هنا الإلهام والرؤية في المنام وكلاهما يسمى وحيًا.