عما أشكلني (فقال) أبو ذر (عن أبي شيء كنت تسأله، قال) عبد الله بن شقيق (كنت أسأله) أي كنت أريد أن أسأله فأقول له (هل رأيت ربك؟ ) يا رسول الله ليلة المعراج (قال أبو ذر) له (قد) كنت (سألتـ) ـه عن ذلك (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت ربي، ولكن (رأيت نورًا) فقط حجبني عنه سبحانه، والمعنى رأيت النور فحسب ولم أر غيره: أي إن النور منعني من الرؤية كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار ومنعها من إدراك ما حالت بين الرائي وبينه. اهـ نووي.
وعبارة المفهم هنا (قوله صلى الله عليه وسلم نور أنى أراه) هكذا رويناه وقيدناه برفع (نور) وتنوينه وفتح (أنّى) التي بمعنى كيف الاستفهامية، ورواية من زعم أنه رواه (نوراني) بتشديد الياء ليست بصحيحة النقل ولا موافقة للعقل ولعلها تصحيف وقد أزال هذا الوهم الرواية الأخيرة حيث قال (رأيت نورًا) وأما رفع (نور) فعلى إضمار فعل تقديره غلبني نور أو حجبني نور و (أنى أراه) استفهام على جهة الاستبعاد لغلبة النور على بصره كما هي عادة الأنوار الساطعة كنور الشمس فإنه يعشي البصر ويحيره (حار بصره عَشي ولم يستطع متابعة النظر) إذا حدق نحوه. ولا يعارض هذا (رأيت نورًا) فإنه عند وقوع بصره على النور رآه ثم غلب عليه بعد فضعف عنه بصره ولا يصح أن يعتقد أن الله نور كما اعتقده هشام الجواليقي وطائفة المجسمة ممن قال هو نور لا كالأنوار لأن النور لون قائم بالهواء وذلك على الله تعالى محال عقلًا ونقلًا، فأما العقل فلو كان عرضًا أو جسمًا لجاز عليه ما يجوز عليهما ويلزم تغيره وحدثه، وأما النقل فقوله تعالى:{لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} ولو كان جسمًا أو عرضًا لكان كل شيء منهما مماثلًا له تعالى، وقول هذا القائل جسم لا كالأجسام أو نور لا كالأنوار متناقض فإن قوله: جسم أو نور حاكم عليه بحقيقة ذلك، وقوله: لا كالأجسام، لا كالأنوار ينفي لما أثبته من الجسمية والنورية وذلك متناقض فإن أراد أنه يساوي الأجسام من حيث الجسمية ومفارق لها من حيث وصف آخر ينفرد به لزمت تلك المحالات من حيث الجسمية ولم يتخلص منها بذكر ذلك الوصف الخاص إذ الأعم من الأوصاف تلزمه أحكام من حيث هو لا تلزم الأخص كالحيوانية والناطقية، وتتميم هذا في علم الكلام. اهـ منه.