للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الرسولِ، وأَنَّ المحبَّةَ الحقيقيةَ باقتفاءِ سبيلهِ واجبةُ الحصولِ .. انْتَهَضَتْ هِمَمُ أعلامِ العلماءِ والسادةِ الفضلاءِ إِلى البحثِ عن آثارهِ: أقوالهِ وأفعالهِ وإِقرارِه، فحَصَّلُوا ذلك ضبطًا وحفظًا، وبَلَّغُوهُ إِلى غيرِهم مُشَافهة ونقلًا، ومَيَّزُوا صحيحَهُ من سقيمِهِ، ومُعْوَجَّهُ من مستقيمِهِ، إِلى أن انتهَى ذلكَ إِلى إِمامَي علماءِ الصحيحِ، المُبَرِّزَينِ في علمِ التعديلِ والتجريحِ: أبي عبد اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسماعيلَ الجُعْفِيِّ البُخَارِيِّ، وأَبي الحُسَينِ مسلمِ بنِ الحَجَّاجِ القُشَيرِيّ النَّيسابُورِيِّ، فجَمَعَا كتابَيهِمَا على شَرْطِ الصِّحَّةِ، وبَذَلا جُهْدَهُمَا في تَصْفِيَتِهِمَا مِنْ كُلِّ عِلَّةٍ، فتَمَّ لَهُمَا المُرادُ، وانعقدَ الإِجماعُ على تَلْقيبهما باسمِ "الصحيحينِ" (١) أو كاد (٢)، فجزاهما اللهُ تعالى عنِ الإِسلامِ أفضلَ الجزاءِ، ووَفَّاهُما مِنْ أَجْرِ مَن انتفعَ بكتابَيهما أفضلَ الإِجزاءِ.

غيرَ أنه قد ظَهَرَ لكثيرٍ من أئمَّةِ النَّقْلِ وجَهَابِذَةِ النقْدِ أَنَّ لمسلمٍ ولكتابهِ من المَزِيَّةِ


(١) قلتُ: والاسم العلمي لكتاب "صحيح مسلم" كما سمَّاه به مؤلِّفُه هو: "المسند الصحيح المختصر من السُّنَن بنَقْلِ العَدْلِ عن العَدْلِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وهذا الاسمُ يَدُلُّ على مضمونِ هذا الكتابِ وأُسُسِهِ التي أُنشئ عليها، وقد ورد هذا الاسم كاملًا عند الحافظ ابن خير الإِشبيلي في "فهرست ما رواه عن شيوخه" (ص ٩٨)، والعلَّامةِ التُّجيبي في "برنامجه" (ص ٨٣) إلَّا أنه قال: إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورد اسمه مختصرًا عند غيرهما من الحُفَّاظ، انظر تفصيل ذلك في "تحقيق اسمي الصحيحين" (ص ٣٣ - ٥٢).
(٢) قال الإِمام أبو العباس القرطبي: (وأمَّا انعقادُ الإِجماعِ على تسميتهما بالصحيحَينِ .. فلا شكَّ فيهِ، بل قد صارَ ذِكْرُ الصحيحِ عَلَمًا لهما وإِنْ كان غيرهما بعدهما قد جمع الصحيح واشترط الصحة، كابي بكر الإِسماعيلي الجرجاني، وأبي الشيخ ابن حَيَّان الأصبهاني، وأبي بكر البَرْقاني، والحاكم أبي عبد الله، وإِبراهيم بن حمزة، وأبي ذرّ الهَرَوي، وغيرهم، لكنِ الإِمامان أحرزا قصب السباق، ولُقِّبَ كتاباهما بـ "الصحيحين" بالاتفاق. قال أبو عبد الله الحاكم: أهلُ الحجاز والعراق والشامِ يشهدون لأهل خُراسان بالتقدُّم في معرفة الحديث، لسَبْقِ الإِمامين البخاريِّ ومسلمٍ إِليه، وتفَرُّدِهما بهذا النوع. "المفهم" (١/ ٩٩ - ١٠٠).
وقال الإِمام عبد الحقِّ الإِشبيلي في مقدّمة كتابه "الجمع بين الصحيحين" (١/ ٦):
(والغَرَضُ من هذا المختصَرِ: أنْ يَخِفَّ به الكتابان على مَنْ أعياه حفظ الأسانيد، واعتمدَ في العلم بها على التقليد، لاسيما وقد اشتهرا في الصحة شهرةً لا مطعن عليها، وتَضَمَّنا من الأخبار ما لجأَ الناسُ في الأكثرِ إِليها، وحَسْبُكَ من هذين الكتابين أنهما إِنما يُعرفان بـ "الصحيحين").

<<  <  ج: ص:  >  >>