وقد اختلف العلماء في عصمة الأنبياء من الذنوب اختلافًا كثيرًا والذي ينبغي أن يقال إن الأنبياء معصومون مما يُناقض مدلول المعجزة عقلًا كالكفر بالله تعالى والكذب عليه والتحريف في التبليغ والخطأ فيه، ومعصومون من الكبائر وعن الصغائر التي تُزْرِي بفاعلها وتَحُطُّ منزلته وتُسقط مروءته إجماعًا عند القاضي أبي بكر، وعند الأستاذ أبي بكر أن ذلك مقتضى دليل المعجزة، وعند المعتزلة أن ذلك مقتضى دليل العقل على أصولهم، واختلفت أئمتنا في وقوع الصغائر منهم فمن قائل بمنع ذلك، والقول الوسط في ذلك أن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها إليهم وعاتبهم عليها وأخبروا بها عن نفوسهم وتنصلوا منها واستغفروا وتابوا وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا تقبل التأويلات بجملتها وإن قيل ذلك في آحادها. (فيأتوني) إياي (فأستأذن) أنا في الإقبال (على ربي) في طلب الشفاعة أي أطلب منه تعالى الإذن لي في طلب الشفاعة العظمى التي وعدنيها بقوله عزَّ وجلَّ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}(فيؤذن لي) في الإقبال عليه لطلب الشفاعة ومن هذا الكلام يُعلم مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لآداب تلك الحضرة العلية (فإذا أنا رأيته) سبحانه وتعالى (وقعتُ) أي خررتُ وسقطتُ على وجهي حالة كوني (ساجدًا) له تعالى (فيدعني) أي يتركني في السجود (ما شاء الله) تعالى أن يتركني (فيُقال) لي (يا محمد ارفع رأسك) من السجود و (قل) ما شئت (تُسمَع) في قولك و (سل) ما شئت (تُعطه) أي تعط مسئوولك فالضمير راجع إلى المصدر المفهوم من الفعل وهو بمعنى المفعول ويحتمل كون الهاء للسكت كما في المرقاة، و (اشفع) أي اطلب الشفاعة فيما شئت (تُشَفَّع) أي تقبل في شفاعتك (فأرفع رأسي) من السجود (فأحمد ربي بتحميدٍ يُعلِّمنيه) أي يُلهمنيه (ربي) يومئذ (ثم أشفع) في إخراج المُوحِّدين من النار (فيحُدُّ لي) ربي، ضبطه ملا علي بوجهين وقد اقتصر القسطلاني على وجه واحد، أي يقدِّر لي (حدًّا) أي قدرًا معينًا من المُوحِّدين (فأُخرجهم) أي أُخرج القدر المعين لي من المُوحِّدين (من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود) أي أرجع إلى الموضع الذي سجدت فيه أولًا (فأقع)