للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ أَعُودُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا. فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُل يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَة، وَاشفَعْ تُشَفعْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي، أُمَّتِي. فَيُقَالُ لِيَ: انْطَلِقْ. فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ"

ــ

به ربي من الإخراج (ثم أعود) وأرجع (إلى) موضع مناجاة (ربي) ثالثًا (فأحمده بتلك المحامد ثم أَخِرُّ له ساجدًا فيقال لي) مِن ذلك الجناب (يا محمد ارفع رأسك وقل يُسمع لك وسل تُعطه واشفع تُشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال لي انطلق) إلى النار (فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى) بالتكرار ثلاثًا أي أقل أقل أقل (من مثقال حبة من خردل) صفة لحبة (من إيمان) تمييز لمثقال (فأخرجه من النار فأنطلق) إلى النار (فأفعل) ذلك الذي أمرني به ربي، قال النواوي: وفي هذا الحديث دلالة لمذهب السلف وأهل السنة ومن وافقهم من المتكلِّمين في أن الإيمان يزيد وينقص، ونظائره في الكتاب والسنة كثير، وفي المفهم قوله: (فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من بُرةٍ أو شعيرةٍ من إيمان فأخرجه منها) إلى أن قال (أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان) اختلف الناس في هذا الإيمان المقدَّر بهذه المقادير فمنهم من قال هو اليقين ورأى أن العلم يصح أن يقال فيه إنه يزيد باعتبار توالي أمثاله على قلب المؤمن وباعتبار دوام حضوره وأنه ينقص بتوالي الغفلات على قلب المؤمن، وهذا معقول غير أن حَمْل هذا الحديث عليه فيه بُعْدٌ لما جاء من حديث أبي سعيد الخدري السابق حيث قال الشافعون: لم نَذَرْ فيها خيرًا مع أنه تعالى مُخرج بعد ذلك جموعًا كثيرة ممن يقول لا إله إلا الله وهم مؤمنون قطعًا، ولو لم يكونوا مؤمنين لما خرجوا بوجه من الوجوه، ولذلك قال تعالى: لأُخْرِجنَّ من قال لا إله إلا الله وعن إخراج هؤلاء عبَّر بقوله فيَقْبِضُ قبضةً فيُخْرج قومًا لم يعملوا خيرًا قط.

فإذًا فالأصح في تأويل هذا الحديث أن يكون الإيمان هنا أطلق على أعمال القلوب كالنية والإخلاص والخوف والنصيحة وشِبْهِ ذلك، وسماها إيمانًا لكونها في محل الإيمان أو من الإيمان على عادة العرب في تسمية الشيء باسم الشيء إذا جاوره أو كان منه بسبب وإنما قلنا: أراد به أعمال القلوب هنا دون أعمال الأبدان لقوله: (من كان في قلبه) و (وجدتم في قلبه) فخصه بالقلب، ولا جائز أن يكون التصديق على ما تقدم فتعين ما قلنا، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>