للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ. فَاشفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيه؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِن رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغضَبْ قَبلَهُ مِثلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيرِي، اذهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَيَأتُونِي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَغَفَر اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشَفْعَ لَنَا إِلَى رَبًكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَأنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَاقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي،

ــ

(ألقاها) أي ألقى تلك الكلمة (إلى مريم) أي أبلغها وأوصلها إليها (وروح منه) سبحانه وتعالى قد تقدم البسط في هذا المقام فلا عود ولا إعادة (فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ) من الشدائد والأهوال (ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى صلى الله عليه وسلم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر) عيسى في هذه الرواية (له ذنبًا) يعتذر به، تُهمُني (نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيأتوني فيقولون) لي (يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء) قد خُتِمُوا بك، كما نص عليه في سورة الأحزاب وكما أجمعت عليه الأمة سلفًا وخلفًا، ولا اعتبار بما قاله بعض الزنادقة محتجًا بما وقع في الحديث المشهور من زيادة قوله وسيكون بعدي ثلاثون وكلهم يدَّعِي أنه نبي لا نبي بعدي إلا من شاء الله، وهذه الزيادة باطلة زادها محمد بن سعيد الشامي المصلوب على الزندقة وإنما زادها لما كان يدعو إليه من الإلحاد والزندقة ولم تحفظ إلا من طريقه، وتأولها بعضهم إن صحت بعيسى - عليه السلام - للإجماع على نزوله ولكنه لا ينزل رسولًا إلى أهل الأرض حينئذ (ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فانطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي) قد زاد عليه في حديث أنس (فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد ثم أَخِرُّ ساجدًا) قال القرطبي: وبمجموع الحديثين يكمل المعنى، ويُعْلم مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لآداب الحضرة العلية، ثم اعلم أن هذا الانطلاق من النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو إلى جنة الفردوس التي هي أعلى الجنة وفوقها عرش الرحمن كما جاء في الصحيح بناء على أن لا محل له هناك إلا الجنة والنار وعلى أن العرش محيط بأعلى الجنة. والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>