غيره جازمًا في الدعاء مجتهدًا فيه لهم متضرعًا باكيًا مُلِحًا يقول: أمتي أمتي فِعْلَ المُحِبّ المولع بمحبوبه الحريص على ما يرضيه الشفيق عليه اللطيف به ثم لم يزل كذلك حتى أجابه الله سبحانه فيهم وبَشَّرَه بما بشره من مآل حالهم حيث قال إنه سيرضيه فيهم. قال الأبي: قيل إن مقام إبراهيم أرقى لأنه قرن معصيتهم بمغفرة الله عزَّ وجلَّ حيث قال: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وقال عيسى - عليه السلام -: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} اهـ (فقال الله عزَّ وجلَّ) لجبريل - عليه السلام - (يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك) يا جبريل (أَعْلَمُ) بما يبكيه (فَسَلْهُ) أي فسل محمدًا وقل له في سؤاله (ما يبكيك) يا محمد أي أي شيء وأي هَمٍّ يبكيك (فأتاه) صلى الله عليه وسلم (جبريل - عليه السلام - فسأله) صلى الله عليه وسلم عما يبكيه (فأخبره) سبحانه وتعالى (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بواسطة جبريل الأمين (بما قال) صلى الله عليه وسلم في حال بكائه من قوله اللهم أمتي أمتي (وهو) سبحانه (أعلم) بما قاله صلى الله عليه وسلم بلا إخبار منه له (فقال الله) عزَّ وجلَّ مرة ثانية لجبريل (يا جبريل اذهب إلى محمد فقل) له لا تَبْكِ (إنا سنرضيك في أمتك) يوم القيامة فوعده بما يرضيه فيهم، وهو معنى قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)} قيل هي أرجى آية لأنه صلى الله عليه وسلم لا يرضى وواحد من أمته في النار، ومعنى (ولا نسوءك) أي لا نحزنك وهو تأكيد لمعنى الإرضاء لدفع إيهام أن يرضيه في البعض دون البعض لأن الإرضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار فقال تعالى نرضيك ولا نُدْخِلُ عليك حزنًا بل نُنجي الجميع. والله أعلم، وبعث جبريل - عليه السلام - إظهارا لشرفه صلى الله عليه وسلم وإلا فالله أعلم بما يبكيه وبما قال، اهـ سنوسي. قال بعض العلماء: والله ما يرضى محمد وواحد من أمته في النار، وهذا كله يدل على أن الله تعالى خص نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم من كرم الخُلُق ومن طيب النفس ومن مقام الفُتُوةِ "حُسن الخُلُق وبذل المعروف بما لم يخص به أحدًا غيره وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤] وبقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ