يلحق به التطبب بغير ذلك في الكراهة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد تطبب وطيب وأحال على الطبيب وأرشد إلى الطب بقوله" يا عباد الله تَدَاوَوا فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء" رواه أبو داود والترمذي من حديث أسامة بن شريك.
والبحث الثاني في الرُّقى والاسترقاء: فما كان منه من رُقى الجاهلية أو بما لا يُعرف فواجب اجتنابه على سائر المسلمين وفعله حرام واعتقاد حله كُفر فلا يكون اجتناب ذلك هو المراد هنا ولا اجتناب الرقى باسماء الله تعالى وبالمروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه التجاء إلى الله تعالى وتبرك باسمائه بل المراد ترك ما يحل منها توكلًا على الله تعالى ورضاء بقضائه وبلائه.
والبحث الثالث في التوكل: والتوكل لغة: إظهار العجز عن أمر ما والاعتماد فيه على الغير والاسم التكلان يقال منه اتكلت عليه في أمري، وأصله إوتكلت قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ثم أبدلت منها التاء وأُدغمت في تاء الافتعال، ويقال وكلته بأمر كذا توكيلًا والاسم الوكالة بكسر الواو وفتحها، واختلفوا في معناه اصطلاحًا فقالت طائفة من الزهاد: التوكل أن لا يخالط القلبَ خوفُ غيرِ الله تعالى من سَبُعٍ وغيره وتركُ السعي في طلب الرزق لضمان الله تعالى، وقال عامة الفقهاء والمحدثين: هو الثقة بالله تعالى والإيقان بأن قضاءه ماض واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في السعي فيما لا بد منه من الأسباب من مطعم ومشرب وتحزز من عدو وإعداد الأسلحة واستعمال ما تقتضيه سنة الله تعالى المعتادة وإلى هذا ذهب محققوا الزهاد لكنه لا يستحق اسم المتوكل على الله عندهم مع الطمأنينة إلى تلك الأسباب والالتفات إليها بالقلوب فإنها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضرًّا بل السبب والمُسبب فعل الله تعالى والكل منه وبمشيئته ومتى وقع من المتوكل ركون إلى تلك الأسباب فقد انسلخ عن ذلك الاسم، ثم المتوكلون على حالين: الحال الأول حال المتمكن في التوكل فلا يلتفت إلى شيء من تلك الأسباب بقلبه ولا يتعاطاها إلا بحكم الأمر، والحال الثاني حال غير المتمكن وهو الذي يقع له الالتفات إلى الأسباب أحيانًا غير أنه يدفعها عن نفسه بالطرق العلمية والبراهين والأذواق الحالية فلا يزال كذلك إلى أن يُرقيه الله بجوده إلى مقام المتمكنين ويُلحقه بدرجات العارفين. اهـ ط بتصرف.
وقال القشيري: اعلم أن التوكل محله القلب وأما الحركة بالظاهر فلا تتنافى مع التوكل بالقلب بعدما تحقق العبد الثقة من قِبَلِ الله تعالى فإن تعسر شيء فبتقديره تعالى