عليه وسلم توضأ مثل وضوئي) أي شبه وضوئي (هذا) الذي رأيتموه مني (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من توضأ هكذا) أي وضوءًا مثل وضوئي هذا (غفر له) أي غفر الله سبحانه وتعالى لذلك المتوضئ بسبب ذلك الوضوء (ما تقدم من) صغائر (ذنبه) فضلًا منه وكرمًا أي كان ذلك الوضوء كفارة لها (وكانت صلاته) المكتوبة التي صلاها بذلك الوضوء أي كان ثواب صلاته (ومشيه) أي وثواب مشيه (إلى المسجد نافلة) أي زيادة على تكفير وضوئه لصغائره يرفع بها درجاته في الآخرة، وقوله (وفي رواية) أحمد (بن عبدة أتيت عثمان) بلا ذكر نسبه (فتوضأ) بلا ذكر لفظة (بوضوء) بيان لمخالفة شيخيه في هذه الكلمات وذلك من شدة حفظه وإتقانه وورعه رحمه الله تعالى.
وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد [١/ ٦٥ - ٦٦] والبخاري [١٦٤] وعبارة المفهم هنا: (وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة) يعني أن الوضوء لم يبق عليه ذنبًا فلما فعل بعده الصلاة كان ثوابها زيادة له على المغفرة المتقدمة، والنفل الزيادة ومنه نفل الغنيمة وهو ما يعطيه الإمام من الخُمُس بعد القسمة، وهذا الحديث يقتضي أن الوضوء بانفراده يستقل بالتكفير وكذلك حديث أبي هريرة فإنه قال فيه "إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه" وهكذا إلى أن قال "حتى يخرج نقيًّا من الذنوب" وهذا بخلاف أحاديث عثمان المتقدمة إذ مضمونها أن التكفير إنما يحصل بالوضوء إذا صلى به صلاة مكتوبة يتم ركوعها وخشوعها، والجمع بينهما من وجهين: أحدهما أن يرد مطلق الأحاديث إلى مقيدها، والثاني أن نقول إن ذلك يختلف بحسب اختلاف أحوال الأشخاص فلا بُعد في أن يكون بعض المتوضئين يحصل له من الحضور ومراعاة الآداب المكملة ما يستقل بسببها وضوءه بالتكفير، ورب متوضئ لا يحصل له مثل ذلك فيكفر عنه بمجموع الوضوء والصلاة، ولا يعترض على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم "من أتم الوضوء كما أمره الله تعالى فالصلوات المكتوبة كفارات لما بينهن" لأنا نقول من اقتصر على واجبات الوضوء فقد توضأ كما أمره الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي "توضأ كما أمرك