شاءَ، حسنةً أو قبيحةً، (فيأتي القومَ) المُجْتَمِعِينَ في مجالس الخير ويحضرهم بصورة العالِمِ الوَرِعِ الدَّاعِي إِلى الله سبحانه وتعالى (فيُحَدِّثُهم) أي: فيُخْبِرُ الشيطانُ الجائي القومَ المجتمعين (بالحديثِ) الموضوعِ المُخْتَلَقِ (من الكَذِبِ) والافتراءِ ناسبًا إِلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (فَيتَفَرَّقُونَ) أي: فيتَفَرَّقُ القومُ المجتمعون بعد سماعهم حديثَ الشيطان.
(فيقولُ الرجلُ منهم) أي: من القوم المجتمعين السامعين لحديث الشيطان بعد تَفَرُّقِهم عن ذلك المجلس لمَنْ رآه من قومٍ آخرين: واللهِ لقد (سمِعْتُ) اليومَ (رجلًا) عالمًا واعظًا وَرِعًا مُحَدِّثًا كأني (أَعْرِفُ وَجْهَهُ) وشَخْصَه (و) لكنْ (لا أَدْرِي ما اسْمُه) أي: لا أعرف أيَّ اسمٍ كان اسمُه، أو لا أَقْدِرُ جوابَ سؤالِ ما اسمه؛ أي: ما اسمُ ذلك الرجل المُحَدِّث؛ أي: فلكأنّي أعرفُ صورتَه، ولكنْ لو سألني أحدٌ عن اسمه .. ما أقدرُ جوابَه.
وجملةُ قوله:(ولا أَدْرِي) في محلِّ نصبٍ معطوفةٍ على جملة قوله: (أَعْرِفُ وَجْهَه) على كونها صفةً أُولى لرجلًا.
وجملةُ قولهِ:(يُحَدِّثُ) ذلك الرجلُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم للأقوام المجتمعين: صفةٌ ثانيةٌ لـ (رجلًا).
فَدَلَّ هذا الأَثَرُ وما بعدَه بمفهومه على الجزء الأخير من الترجمة، وهو الاحتياطُ في تَحَمُّلِ الرواية، كما دَلَّ حديثُ أبي هريرة على الجزء الأول من الترجمة.
وهذا الأثَرُ وأمثالُه لا يُتوَصَّلُ إِليه بالرَّأْيِ والاجتهادِ بل بالسَّمْع، والظاهرُ: أَنَّ الصحابةَ إِنما تستندُ في هذا للنبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه يحتمل أن يُحدِّث به عن بعض أهل الكتاب.