فرأى النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم الموضع الذي تركه من المقدم (فقال) له النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم (ارجع) إلى وضوئك من أوله (فأحسن وضوءك) باستيعاب جميع محل الفرض بالغسل (فرجع) الرجل إلى وضوئه من أوله فتوضأ وضوءًا كاملًا (ثم صَلَّى) ثم أراد أن يصلِّي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [١/ ٢١ و ٢٤] وأبو داود [١٧٣] وابن ماجة [٦٦٦].
قال القرطبي: وهذا الحديث دليل على وجوب استيعاب الأعضاء ووجوب غسل الرجلين وأن تارك بعفروضوئه جهلًا أو عمدا يستانفه إذ لم يقل له اغسل ذلك الموضع فقط، وقد جاء في كتاب أبي داود في هذا الحديث أن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أمره أن يعيد الوضوء والصلاة وهذا نص. أن. قال النواوي: وفي هذا الحديث أن من ترك جزءًا يسيرًا مما يجب تطهيره لا تصح طهارته، وهذا متَّفقٌ عليه واختلفوا في المتيمم يترك بعض وجهه فمذهبنا ومذهب الجمهور أنَّه لا يصح كما لا يصح وضوؤه، وعن أبي حنيفة ثلاث روايات: إحداها إذا ترك أقل من النصف أجزأه، والثانية إذا ترك أقل من قدر الدرهم أجزأه، والثالثة إذا ترك الربع فما دونه أجزأه، وللجمهور أن يحتجوا بالقياس. والله أعلم.
وفي هذا الحديث أيضًا دليل على أن من ترك شيئًا من أعضاء طهارته جاهلًا لم تصح طهارته، وفيه تعليم الجاهل والرفق به، وقد استدل به جماعة على أن الواجب في الرِّجلين الغسل دون المسح، واستدل القاضي عياض وغيره بهذا الحديث على وجوب الموالاة في الوضوء لقوله صَلَّى الله عليه وسلم "أحسن وضوءك" ولم يقل اغسل الموضع الذي تركته، وهذا الاستدلال ضعيف أو باطل فإن قوله صَلَّى الله عليه وسلم "أحسن وضوءك" محتمل للتيمم والاستئناف، وليس حمله على أحدهما أولى من الآخر. والله أعلم. أهـ.
ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلَّا حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.