حكم الاستقبال والاستدبار واحدًا ودل الحديث على جواز الاستدبار فُهم منه جواز الاستقبال أيضًا. اهـ.
وقال القرطبي: وقد ذهب بعض من منع استقبال القبلة واستدبارها مطلقًا إلى أن حديث ابن عمر لا يصلح لتخصيص حديث أبي أيوب لأنه فِعْلٌ في خلوة وهو محتمل للخصوص وحديث أبي أيوب قول قُعِّدَتْ به القاعدة فبقاؤه على عمومه أولى.
والجواب عن ذلك أن نقول: أما فعله صلى الله عليه وسلم فأقل مراتبه أن يُحمل على الجواز بدليل مطلق اقتداء الصحابة بفعله وبدليل قوله تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١] وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة حين سألتها المرأة عن قُبلة الصائم "أَلَا أَخْبَرْتِهَا أني أفعل ذلك" رواه مالك في الموطإ، وقالت عائشة:"فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا" تعني التقاء الختانين رواه أحمد، وقبل ذلك الصحابة وعملوا عليه، وأما كون هذا الفعل في خلوة فلا يصلح مانعًا من الاقتداء لأن الحدث كله كذلك يُفعل ويُمنع أن يُفعل في الملأ ومع ذلك قد نُقل وتُحُدِّثَ به سيما وأهل بيته كانوا ينقلون ما يفعله في بيته من الأمور الشرعية، وأما دعوى الخصوص فلو سمعها النبي صلى الله عليه وسلم لغضب على مُدَّعيها وأنكر ذلك عليه كما قد غضب على من ادّعى تخصيصه بجواز القُبلة فإنه غضب عليه وأنكر ذلك، وقال:"والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده" رواه مالك في الموطأ، وكيف يجوز توهم هذا وقد تبين أن ذلك إنما شُرع إكرامًا للقبلة وهو أعلم بحرمتها وأحق بتعظيمها وكيف يستهين بحرمة ما حرم الله سبحانه هذا ما لا يصدر توهمه إلا من جاهل بما يقول أو غافل عما كان يحترمه الرسول صلى الله عليه وسلم. اهـ من المفهم.
وهذا الحديث أعني حديث ابن عمر شارك المؤلف في روايته البخاري [١٤٨] وأبو داود [١٢] والترمذي [١١] والنسائي [١/ ٢٣] وقال الترمذي: وحديث ابن عمر هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب حديث عن جابر قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول أو غائط فرأيته قبل أن يُقبض بعام يستقبلها، وقال الترمذي فيه: حديث حسن غريب، وفي الباب عن أبي قتادة وعائشة وعمار.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: