قال النوويُّ: ("وهَيهَاتَ" موضوعةٌ لاستبعادِ الشيء واليَأْسِ منه، قال الإِمام أبو الحسن الواحديُّ:"هَيهَاتَ": اسمٌ سُمِّي به الفعل، وهو بَعُدَ في الخبر لا في الأمر، قال: ومعنى "هيهات": بَعُدَ، وليس له اشتقاقٌ؛ لأنه بمنزلة الأصوات، قال: وفيه زيادةُ معنًى ليستْ في "بَعُدَ"، وهو أَنَّ المتكلِّمَ يُخْبرُ عن اعتقادِه استبعادَ ذلك الذي يُخْبِرُ عن بُعْدِه، فكأنَّه بمنزلة قوله: بَعُدَ جِدًّا، أو ما أشَدَّ بُعْدَه، لا على أنْ يَعْلَمَ المُخَاطَبُ مكانَ ذلك الشيءِ في البُعْد، ففي "هَيهَاتَ" زيادةٌ على "بَعُدَ"، وإِنْ كُنَّا نُفسِّرهُ به، ويُقال: هيهات ما قلتَ، وهيهات لما قلتَ، وهيهات لك، وهيهات أنت.
قال الواحديُّ: وفي معنى "هيهات" ثلاثةُ أقوال:
أحدها: أنه بمنزلة "بَعُدَ" كما ذَكَرْناه أولًا، وهو قولُ أبي عليٍّ الفارسيِّ وغيرِه من حُذَّاق النحويين.
والثاني: أنه بمنزلة بعيدٍ، وهو قولُ الفَرَّاء.
والثالث: أنه بمنزلة البعد ..
وفي "هيهات" ثلاثَ عَشْرَةَ لغةً ذَكَرَهُنَّ الواحديُّ: "هيهاتَ" بفتح التاء وكسرها وضمّها مع التنوين فيهن وبحَذْفِه فهذه سِتُّ لُغَات وأَيهات بالألف بدل الهاء الأُولى وفيها اللُّغاتُ الستُّ أيضًا، والثالثةَ عَشْرَةَ: أَيهَا بحذف التاء من غير تنوين.
وزادَ غيرُ الواحديِّ: أَيئَاتَ بهمزتين بدل الهاءين، والفصيحُ المستعمَلُ من هذه اللغات استعمالًا فاشيًا:"هَيهَاتَ" بفتح التاء بلا تنوين.
قال الأزهريُّ: واتَّفَقَ أهلُ اللغةِ على أَنَّ تاءَ "هيهات" ليستْ أصليةً، واخْتَلَفُوا في الوقف عليها، فقال أبو عَمْرِو والكِسَائيُّ: يُوقَفُ بالهاء، وقال الفَرَّاءُ: بالتاء، وقد بسطتُ الكلامَ في هيهاتَ وتحقيقِ ما قيل فيها في "تهذيب الأسماء واللُّغات"