(إلى ابنِ عَبَّاسٍ) رضي الله تعالى عنهما (فجَعَلَ) أي: شَرَعَ بُشَيرٌ، وهو من أفعال الشُّروع، خبرُه جملةُ (يُحَدِّثُ) أي: شَرَعَ مُحَدِّثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديثَ كثيرةً، وقولُه:(ويقولُ) بُشَيرٌ تفسيرٌ ليُحَدِّثُ: (قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) كذا وكذا (قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) كذا وكذا، وتكرارُ (قال) كنايةٌ عن إِكثارِه التحديثَ.
(قال) مجاهدٌ -وفي بعض النسخ إِسقاطُ قال-: (فجَعَلَ ابنُ عَبَّاسِ) أي: فصار ابنُ عَبَّاسٍ (لا يَأذَنُ) أي: لا يَسْتَمِعُ (لحديثهِ) أي: لحديثِ بُشَير؛ أي: لا يعتني لاستماعه، أي: لا يُصغي إِليه بأُذُنِه ولا يستمعُه، مِنْ أَذِنَ له يَأْذَنُ، من باب طَرِبَ إِذا استمع له وأصغى إِليه، ومنه قولهُ تعالى:{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا}، ومنه سُمِّيَت الأُذُنُ أُذُنًا؛ لاستماعها إِلى الكلام والأصوات؛ أي: لا يستمعُ إِليه ولا يُصْغِي.
(ولا يَنْظُرُ إليه) أي: لا ينظرُ ببصرِه إِلى بُشَيرٍ كهيئة المُعْرِضِ عن حديثِه ولا يَعْتَنِي به.
(فقال) بُشَيرٌ لابن عباس: (يا ابنَ عَبَّاسٍ؛ مالي) أي: أيُّ شيء ثَبَتَ لي حالةَ كوني (لا أَرَاكَ تَسْمَعُ لحديثي؟ ! ) أي: لا تستمعُ ولا تُصْغِي إِلى حديثي وكلامي.
وقولُه:(أُحَدِّثُكَ) مستأنفٌ أَتَى به لتأكيدِ ما قبلَه؛ أي: أُحَدِّثُك حديثًا مأثورًا (عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا تَسْمَعُ؟ ! ) أي: ولا تستمعُ ولا تُصْغي إِليه.
فإنْ قلتَ: روايةُ مجاهدٍ هذه تَدُلُّ على أنه لا يستمع لحديثه، وروايةُ طاوسٍ السابقةُ تَدُلُّ على أنه يستمع لحديثه حين قال له ابن عباس: عُدْ لحديث كذا وكذا؛ لأنه لو لم يستمع لحديثه .. لم يَقُلْ ذلك، فبَينَ الروايتَينِ معارضةٌ؟ قلتُ: يُجمع بينهما بحَمْلِهما على تَعَدُّدِ الواقعة، أو يُقال: إِنَّ (لا) في قوله: (لا أَرَاكَ) زائدةٌ؛ أي: ما لي أَرَاكَ تَسْمَعُ لحديثي حالةَ كوني أُحَدِّثُك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم