للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَينَا إِلَيهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ .. لَمْ نأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إلا مَا نَعْرِفُ

ــ

وَافَقَه .. فتكون الجملةُ في محلِّ النصب مفعولًا ثَانِيًا لسَمعَ، ومذهبُ الجمهورِ هو الصحيحُ كما هو مُقَرَّرٌ في مَحَلِّه.

وأمَّا إِذا دَخَلَتْ على ما يُسمع .. فإنها تتَعَدَّى إِلى واحدِ فقط بلا خلاف، كسَمِعْتُ القرآنَ، وسَمِعْتُ الحديثَ، وسمعتُ الكلامَ.

(ابْتَدَرَتْه أبصارُنا) أي: سَارَعَتْ وبَادَرَتْ إِلى النَّظَرِ إِليه أبصارُنا وأعينُنا محبَّةً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وعِشْقًا إِلى سماعه (وأَصْغَينا) أي: اسْتَمَعْنا (إليه) أي: إِلى حديثِه (بآذانِنا) وأسماعِنا، قال القرطبيُّ: (أي: قَبلْنا منه، وأَخَذْنا عنه، هذا الذي قاله ابنُ عَبَّاسِ يَشْهَدُ بصِحَّةِ ما تَأوَّلْنا عليه قولَ ابنَ سيرين؛ فإنَّ ابنَ عَبَّاسٍ كان في أول مَرَّةٍ يُحَدِّثُ عن الصحابة ويأخذُ عنهم؛ لأن سماعَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قليلًا لِصِغَرِ سِنه، فكان حالُه مع الصحابة كما قال، فلمَّا تلاحق التابعون وحَدَّثُوا وظَهَرَ ما يُوجِبُ الرِّيبةَ .. لم يَأْخُذْ عنهم كما فَعَلَ مع بشُيرٍ العَدَويِّ) اهـ (١).

(فلمَّا رَكِبَ الناسُ الصَّعْبَ) أي: الجَمَلَ العَسِرَ الذي لا يُطِيعُ راكبَه؛ أي: أَكْثَرُوا من رواية الأحاديثِ الموضوعةِ والضعيفةِ (و) رَكِبُوا الجَمَلَ (الذَّلُولَ) أي: الذي يُطِيعُ راكبَه؛ أي: وأَكْثَرُوا من رواية الأحاديثِ الصحيحةِ؛ أي: لمَّا أَكْثَرُوا من روايةِ كُلِّ ما سَمِعُوا من الأحاديث من غير تمييزٍ بين الصحيحة والضعيفة .. كُنَّا (لم نَأْخُذْ) ولم نَقْبَلْ (من الناس إلَّا ما نَعْرِفُ) صِحَّتَه ونَقْلَه من النبي صلى الله عليه وسلم؛ حِفْظًا لِلدِّين، واحتياطًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخوفًا من اختلاط الأساطيرِ الباطلةِ والأقاويلِ المُخْتَلَقَةِ بحديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفيه دلالةٌ على أنه يَنْبَغِي للمُحَدِّث أن يَتَثَبَّتَ ويَسْتَيقِنَ فيما يَرْويه من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كما يَدُلُّ على ذلك قراءةُ (٢): (يا أيها الذين آمنوا إِن


(١) "المفهم" (١/ ١٢٤).
(٢) وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف."النشر في القراءات العشر" (٣/ ٢٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>