على ألسنة العرب من غير قصد الدعاء به (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعائشة بل أنت، فتربت يمينك) والفاء في فتربت زائدة أي بل أنت أحق أن يقال لك هذا اللفظ فإنها فعلت ما يجب عليها من السؤال عن دينها فلم تستحق الإنكار عليها، واستَحْقَقْت أنت الإنكار عليك لإنكارك ما لا إنكار فيه أي بل أنت لصقت يمينك بالتراب لا هي، ثم قال لأم سليم (نعم) يجب عليها الغسل (فلتغتسل) المرأة من ذلك الحلم (يا أم سليم إذا رأت ذاك) أي مثل ما يرى الرجل من الماء، وفي الحديث إثبات المني للمرأة وهو مجمع عليه عند الفقهاء وأنكره بعض الفلاسفة لأن فرج المرأة مقلوب يعرفه الطبيب منهم أَرِسْطَاطَالِيسُ وابن سيناء، واعلم أن المرأة إذا خرج منها المني وجب عليها الغسل كما يجب على الرجل بخروجه، وقد أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المني أو إيلاج الذكر في الفرج، وأجمعوا على وجوبه عليها بالحيض والنفاس، واختلفوا في وجوبه على من ولدت ولم تر دمًا أصلًا، والأصح عند أصحابنا وجوب الغسل، وكذا الخلاف فيما إذا ألقت مضغةً أو علقةٌ، والأصح وجوب الغسل، ومن لا يوجب الغسل يوجب الوضوء، والله أعلم. ثم إن مذهبنا أنه يجب الغسل بخروج المني سواء كان بشهوة ودفق أم بنظر أم في النوم أو في اليقظة، وسواء أحس بخروجه أم لا، وسواء خرج من العاقل أم من المجنون، ثم إن المراد بخروج المني أن يخرج إلى الظاهر، أما ما لم يخرج فلا يجب الغسل وذلك بأن يرى النائم أنه يجامع وأنه قد أنزل ثم يستيقظ فلا يرى شيئًا فلا غسل عليه بإجماع المسلمين، وكذا لو اضطرب بدنه لمبادي خروج المني فلم يخرج، وكذا لو نزل المني إلى أصل الذكر ثم لم يخرج فلا غسل، وكذا لو صار المني في وسط الذكر وهو في صلاة فامسك بيده على ذكره فوق حائل فلم يخرج المني حتى سلم من صلاته صحت صلاته فإنه ما زال متطهرًا حتى خرج، والمرأة كالرجل في هذا إلا أنها إذا كانت ثيِّبًا فنزل المني إلى فرجها ووصل الموضع الذي يجب عليها غسله في الجنابة والاستنجاء وهو الذي يظهر حال قعودها لقضاء الحاجة وجب عليها الغسل بوصول المني إلى ذلك الموضع لأنه في حكم الظاهر، وإن كانت بكرًا لم يلزمها ما لم يخرج من فرجها لأن داخل فرجها كداخل إحليل الرجل والله أعلم، اهـ من النواوي.
وهذا الحديث أعني حديث أنس بن مالك انفرد به الإمام مسلم بروايته لم يشاركه أحد كما في تحفة الأشراف.