لا يمتنع من بيان الحق بضرب المثل بالبعوضة وشبهها، فكذا أنا لا أمتنع من سؤال عما أنا محتاجة إليه، وإنما قالت هذا اعتذارًا بين يدي سؤالها عما دعت الحاجة إليه مما تستحيي النساء في العادة من السؤال عنه وذكره بحضرة الرجال. اهـ نووي. قال الأبي: قدمت هذا تمهيدًا للعذر في ذكرها ما يستحيا منه وهو أصل فيما يضعه الكُتَّابُ من التمهيدات بين يدي ما يُذْكَرُ بعد لأن العذر إذا تقدم أدركت النفس المعتذر سالمًا من العيب ولو تأخر لم يأت إلا وقد تأثرت النفس، فتقدم العذر مانع من العيب وتأخره رافع، يقال استحيا بياء قبل الألف يستحيي بياءين ويقال أيضًا يستحي بياء واحدة في المضارع، قال القاضي عياض: ومعنى لا يستحيي من الحق لا يبيح الحياء في الحق، وقيل معناه: إن سنة الله وشرعه أن لا يستحيا من الحق أي إن من حكم الله أن لا يستحي أحد من الحق استفتاء وإفتاء، قال الأبي: وإنما احتيج في الآية إلى التأويل لأن التقييد بالحق يقتضي بحسب المفهوم أنه يستحي من غير الحق، والحياء: تغير وانكسار يلحق من فعلِ أو تركِ ما يعاقب عليه أو يذم، وذلك على الله سبحانه مُحَالٌ، والمراد بالحق ضد الباطل وأرادت بالحق ما دعت الحاجة إلى ذكره من احتلام المرأة.
(قلت): والأسلم الذي هو مذهب السلف ونعتقده في معنى الآية إن الله سبحانه لا يُوصف بالحياء في بيان المثل ببعوضة وشبهها، والحياء صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها كما ثبتت في الأحاديث الصحيحة والآيات الكريمة، وقد بسطنا الكلام عليها في تفسيرنا بما لامزيد عليه فراجعه (فهل على المرأة من كسل) من زائدة في المبتدأ (إذا احتلمت) أي إذا رأت الحُلُمَ في النوم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم) عليها غسل (إذا رأت الماء) أي أنزلت المني في ذلك الحلم (فقالت أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم راوية الحديث ففيه التفاتٌ من التَّكَلُّم إلى الغيبة لأن مقتضى السياق فقلت (يا رسول الله) أَ (وَتحتلم المرأة) وترى الماء بتقدير همزة الاستفهام (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (تربت يداك) أي افتقرت يداك ولصقت بالتراب، تقدم ما فيه من البحث في الحديث المار (فبم) أي فبأي سبب (يشبهها ولدها)