معطوف على اغتسلت عطفًا تفسيريًّا (قال) أبو سلمة (وكان) شعرها خفيفًا قصيرًا لأن (أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) كن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (يأخذن) ويُقَصِّرْنَ (من) شعر (رؤوسهن) أي يخففن من شعورهن (حتَّى تكون) شعورها (كالوفرة) أي مثل الوفرة وهي من الشعر ما كان إلى الأذنين ولا يجاوزهما، ولعلهن فعلن ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لتركهن التزيُّنَ، ولا يُظن بهن فعلُهُ في حال حياته صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [٦/ ٧٢] والبخاري [٢٥١] وسنده من السداسيات رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون.
وفي المفهم: قوله (فاغتسلت وبيننا وبينها ستر) ظاهر هذا الحديث أنهما رآيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل لذي المحرم أن يَطَّلِع عليه من ذوات محارمه، وأبو سلمة ابن أختها نسبًا، والآخر أخوها رضاعة، وتحققا بالسماع كيفية غسل ما لم يشاهداه من سائر الجسد ولولا ذلك لاكتفت بتعليمها بالقول ولم تحتج إلى ذلك الفعل، وقد شوهد غسل النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الثوب وطؤطيء عن رأسه حتَّى ظهر لمن أراد رؤيته. وإخباره عن كيفية شعور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يدل على رؤيته شعرها، وهذا لم يُخْتَلف في جوازه لذي المحرم إلَّا ما يُحْكَى عن ابن عباس من كراهة ذلك، قوله (حتَّى تكون كالوفرة) قال أبو حاتم: الوفرة من الشعر ما غطى الأذنين، واللَّمَّة ما أَلَمَّ بالمنكبين، والجُمَّة ما جاوز المنكبين، والوفرة أقلها، قال النواوي: وفي هذا الَّذي فعلته عائشة رضي الله تعالى عنها دلالة على استحباب التعليم بالوصف بالفعل، فإنه أوقع في النفس من القول ويثبت في الحفظ مالا يثبت بالقول، قال القاضي: والمعروف أن نساء العرب إنما كن يتخذن القرون والذوائب، ولعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعلن ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعر وتخفيفًا لمؤنة رؤسهن، وهذا الَّذي قاله القاضي متعين ولا يُظن بهن فعله في حياته صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على جواز تخفيف الشعور للنساء، والله سبحانه وتعالى أعلم.