للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، فَذَكَرُوا لَهُ الْوُضُوءَ فَقَال: "أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فَأَتَوَضَّأَ؟ "

ــ

في باب المقصور والممدود من الإيضاح.

(فأُتي) بصيغة المجهول أي أتي النبي صلى الله عليه وسلم (بطعام) أي بمأكول (فذكروا) أي ذكر الحاضرون عنده، وفي بعض النسخ فذكر بتوحيد الفعل (له الوضوء) بضم الواو أي طلبوا منه الوضوء لأجل الأكل. قال النووي: المراد بالوضوء الوضوء الشرعي الذي شرع للصلاة، وحمل القاضي عياض على اللغوي الذي هو غسل الكفين، وحكى اختلاف العلماء في كراهة غسل الكفين قبل الطعام واستحبابه، وحكى الكراهة عن مالك والثوري، والظاهر أن المراد الوضوء الشرعي اهـ (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم إنكارًا عليهم أ (أريد) بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري أي هل أريد وأقصد (أن أصلي) الصلاة (فأتوضأ) لها بالنصب عطفًا على أصلي أي هل وُجِدَ إرادتي الصلاة فوضوئي لها؛ أي لم يوجد مني قصد الصلاة فلا وضوء علي لأن الطعام لا يحتاج إلى الوضوء، والمعنى: الوضوء يكون لمن أراد الصلاة وأنا لا أريد أن أصلي الآن (قلت) ولا شك في استحباب تنظيف اليد بغسلها قبل الطعام عقلًا لأن اليد لا تخلو عن لوث في تعاطي الأعمال، والعقل حجة شرعية كالسمع بل أقوى كما في مرآة الأصول في بحث القضاء بمثل غير معقول على أن الأكل لقصد الاستعانة على الدين عبادةٌ؛ لأن ما يستعان به على العبادات عبادة؛ فهو بهذا الاعتبار بمنزلة الطهارة من الصلاة فيُقَدَّم عليه، وأيضًا أن فيه اسقبالًا للنعمة بالأدب وذلك شكر للنعمة ووفاء بحرمة الطعام المنعم به، والشكر يوجب المزيد؛ وهو معنى ما ورد إن الوضوء يعني غسل اليدين قبل الطعام ينفي الفقر، وكرهه الإمام مالك لكونه من فعل الأعاجم، وفي الحديث ما يردُّ عليه، انظر التيسير في شرح قوله صلى الله عليه وسلم "بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده" وراجع آداب الأكل من الإحياء اهـ من الهامش. قال النووي: اعلم أن العلماء مجمعون على أن للمحدث أن يأكل ويشرب ويذكر الله سبحانه وتعالى ويقرأ ويجامع ولا كراهة في شيء من ذلك، وقد تظاهرت على ذلك كله دلائل السنة الصحيحة المشهورة مع إجماع الأمة، وقد قدمنا أن أصحابنا رحمهم الله تعالى اختلفوا في وقت وجوب الوضوء: هل هو بخروج الحدث ويكون وجوبًا موسعًا، أم لا يجب إلَّا بالقيام إلى الصلاة، أم يجب بالخروج والقيام؟ فيه ثلاثة أوجه أصحها عندهم الثالث. والله أعلم اهـ.

وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>