المؤذن حسن الصوت رفيعه، ويكره ما فيه غلظ وتكَلُّف. فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص الأذان برؤيا رجل ولم يكن بوحي؟ أجيب: بأنه إنما خُصص برؤياه لما في ذلك من التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم والرفع لذكره لأنه إذا كان على لسان غيره كان أرفع لذكره وأفخر لشأنه، على أنه روى أبو داود في المراسيل: أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال فقال صلى الله عليه وسلم: "سبقك بها الوحي" اهـ قسط.
وهذا التفسير الذي قررناه في حل المتن يزول به الإشكال الواقع في الجمع بين الروايات المتعارضة في أحاديث بدء الأذان، والله أعلم.
قال القرطبي:(قوله قم يا بلال فناد بالصلاة) حجة لمشروعية الأذان والقيام فيه، وأنه لا يجوز أذان القاعد عند العلماء إلا أبا ثور وبه قال أبو الفرج من أصحابنا، وأجازه مالك وغيره لعلةٍ به إذا أذَّن لنفسه. ويحصل من الأذان إعلام بثلاثة أشياء: بدخول الوقت، وبالدعاء إلى الجماعة ومكان صلاتها، وبإظهار شعار الإسلام وكلمة التوحيد.
واختلف في حكمه فقال داود والأوزاعي: وهو ظاهر قول مالك في الموطأ بوجوبه في المساجد والجماعات، وقيل إنه فرض على الكفاية وبه قال بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي وذهب الجمهور إلى أنه سنة مؤكدة في مساجد الجماعات والعشائر وهو المشهور من مذهب مالك وغيره، وسبب الاختلاف اختلافهم في قوله صلى الله عليه وسلم لبلال: قم يا بلال فناد بالصلاة هل هو محمول على ظاهره من الوجوب أم هو مصروف عن ذلك بالقرائن أعني قرائن التعليم، وأما من صار إلى أنه على الكفاية فيراعي ما يحصل منه من الفوائد الثلاثة المتقدمة الذكر.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [٦٠٤]، والترمذي [١٩٠] والنسائي [٢/ ٢]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.