قال النواوي: وفي هذا الحديث حجة بينة ودلالة واضحة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أن الترجيع في الأذان ثابت مشروع وهو العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت بعد قولهما مرتين بخفض الصوت، وقال أبو حنيفة والكوفيون: لا يشرع الترجيع عملًا بحديث عبد الله بن زيد فإنه ليس فيه ترجيع، وحجة الجمهور هذا الحديث الصحيح، والزيادة مقدمة مع أن حديث أبي محذورة هذا متأخر عن حديث عبد الله بن زيد فإن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر وانضم إلى هذا كله عمل أهل مكة والمدينة وسائر الأمصار وبالله التوفيق. واختلف أصحابنا في الترجيع هل هو ركن لا يصح الأذان إلا به أم هو سنة ليس ركنًا حتى لو تركه صح الأذان مع فوات كمال الفضيلة؟ على وجهين: والأصح عندهم أنه سنة، وقد ذهب جماعة من المحدثين وغيرهم إلى التخيير بين فعل الترجيع وتركه، والصواب إثباته، والله أعلم اهـ منه.
ويقول (حي على الصلاة) أي تعالوا إلى الصلاة وأقبلوا إليها، وحي اسم فعل أمر بمعنى أقبل مبني على الفتح فرارًا من التقاء الساكنين لسكون الياء الأولى المدغمة؛ أي يقوله (مرتين) ويقول (حي على الفلاح مرتين) أي هلموا إلى الفوز والنجاة، وقيل إلى البقاء أي أقبلوا على سبب البقاء في الجنة وهو الصلاة ويقال لحي على كذا الحيعلة، قال الأزهري: قال الخليل بن أحمد: الحاء والعين لا يأتلفان في كلمة أصلية الحروف لقرب مخرجيهما إلا أن يؤلف فعل من كلمتين مثل حي على فيقال منه حيعل، قال القاضي عياض: قوله (حي) هي اسم فعل بمعنى هلم وأقبل، ومنه قول ابن مسعود: إذا ذكر الصالحون فحيهل بعمر أي أقبل وهلم بذكره، قال ابن الأنباري: وفتحت فيه الياء لسكونها مع الياء التي قبلها كليث، والفلاح الفوز، ومنه حديث "استفلحي برأيك" أي فوزي، وقيل البقاء، ومنه قوله:
لكل هم من الهموم سعه ... والمسا والصبح لا فلاح معه
أي لا بقاء، فالمعنى على الأول هلموا إلى الفوز، وعلى الثاني إلى البقاء في الجنة أي إلى سببه، قال الأبي: وعدي بعلى لأن أقبل يتعدى بها ومنه قوله تعالى: {قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيهِمْ} وقيل في حي إن معناه أسرع وهلا اسْكُت؛ فالمعنى في أثر عمر إذا ذكر