للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ. فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ. فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ"

ــ

منكم منفرين) بصيغة الجمع أي صادين مشردين لمريد الجماعة عن جماعة الصلاة بتطويلها (فأيكم) أي أي واحد منكم (أم الناس) أي صار إمامًا للناس (فليوجز) الصلاة بضم الياء التحتانية وكسر الجيم من أوجز الرباعي جوابُ الشَّرْطِ أي فليخفف الصلاة بحيث لا يخل بشيء من الواجبات، وهذا حكم منه في حال غضبه فلا يعارضه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقض القاضي وهو غضبان" رواه أحمد والبخاري من حديث أبي بكرة لأنه - صلى الله عليه وسلم - معصوم بخلاف غيره اهـ قرطبي، والفاء في قوله (فإن) تعليلية أي لأنَّ (من ورائه) وخلفه (الكبير) مقتديًا به أي كبير السن الذي لا يقدر تطويل القيام (والضعيف) أي المريض أو ضعيف الطبيعة (وذا الحاجة) أي صاحبها المستعجل لها، وجاء في رواية فليتجوز وفي رواية أخرى فليخفف والكل بمعنى؛ والمراد بالتخفيف عدم تطويل القراءة ولا يخل بشيء من الواجبات كما سيأتي عن أنس "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوجز في الصلاة ويتم، وكان من أخف الناس صلاة في تمام، وما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وقوله "فإن فيهم الضعيف والكبير" الخ تعليل للأمر المذكور، ومقتضاه أنَّه متى لم يكن فيهم من يتصف بصفة من المذكورات أو كانوا محصورين ورضوا بالتطويل لم يضر التطويل لانتفاء العلة، وقول ابن عبد البر: إن العلة الموجبة للتخفيف عندي غير مأمونة لأنَّ الإمام وإن علم قوة من خلفه فإنَّه لا يدري ما يحدث بهم من حادث شغل وعارض من حاجة وآفة من حدث بول أو غيره، تعقب بأن الاحتمال الذي لم يقم عليه دليل لا يترتب عليه حكم فإذا انحصر المأمومون ورضوا بالتطويل لا يؤمر إمامهم بالتخفيف لعارض لا دليل عليه، وحديث أبي قتادة أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهة أن أشق على أمه" يدل على إرادته - صلى الله عليه وسلم -أولًا التطويل فيدل على الجواز، وإنما تركه لدليل قام على تضرر بعض المأمومين وهو بكاء الصبي الذي يشغل خاطر أمه اهـ قسطلاني.

وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [٥/ ٢٧٣] والبخاري [٧٠٤] وابن ماجه [٩٨٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>