للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا يتعمَّدُونه؛ لكَونِهم لا يُعَانُون صناعةَ أهل الحديث، فيقَعُ الخطأ في رواياتهم ولا يعرفونه، ويَرْوُون الكذب ولا يعلمون أنه كَذِبٌ، وقد قدمْنا أن مذهبَ أهل الحق أن الكَذِبَ هو الإخْبَارُ عن الشيء بخلاف ما هو عليه عَمْدًا كان أو سَهْوًا أو غَلَطًا) اهـ (١).

وقال القاضي عيَاضٌ: (يعني أنهم يُحَدِّثون بما لم يَصِحَّ لقلَّة معرفتهم بالصحيح، والعِلْم بالحديث، وقِلَّة حفْظهم وضَبْطهم لما سَمعُوه، وشُغلِهم بعبادتهم، وإضْرابهم عن طريق العلم، فكَذَبُوا من حيثُ لم يَعْلمُوا وإنْ لم يتَعَمَّدُوا ...

وقد يقَعُ في الكَذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مَنْ غَلَبَتْ عليه العبادةُ ولم يكن معه علْمٌ فيَضَعُ الحديثَ في فضائل الأعمال ووجُوه البر، ويتساهلون في رواية ضعيفها ومُنْكَرِها وموضوعاتها، كما قد حُكيَ عن كثير منهم واعترفَ به بعضُهم، وهم يَحْسَبُون -لقلة علْمهم- أنهم يُحْسنُون صُنْعًا.

ورُبَّما احْتَجُّوا في ذلك بالحديث المأثور عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا حُدِّثتم عني حديثًا تعرفونه ولا تُنْكرونهُ .. فَصدِّقُوا به قُلْتُه أو لم أقُلْهُ؛ فإني أقولُ ما يُعرف ولا يُنكر" وهو حديثٌ ضعَّفَه الأصيلي وغيرُه من الأئمة، وتأوَّلَهُ الطَّحَاوي وغيرُه، ومعناه -لو صحَّ ظاهره- وهو: أنه ما جاءَ عنهُ موافقًا لكتاب الله تعالى وما عُرِفَ من سُنَّته غَيرَ مُخَالف لشريعته ولا تَحَقَّقَ أنَّه قاله بلَفْظِه فيُصَدَّق به أي بمعناه لا بلفظه؛ إذْ قد صَحَّ من أُصول الشريعة أنه


(١) المصدر السابق، وجاء في "الحل المفهم لصحيح مسلم" (١/ ١٥ - ١٦) ما يلي:
(في تقرير المكي: قوله: "لم نَرَ الصالحين" وهم الذين يُحسنُون الظن بالناس لصلوحهم في أنفسهم، فلا يُميزون بين الصادق والكاذب، بل يَرْوون عن كل مَنْ يَدعي الحديث، فلهذا -أي: لعدم تحقيقهم- يكون أكثر رواياتهم كاذبةً ولا يعرفون به. اهـ
وكتب عليه العلامة السّنْدي رحمه الله تعالى: قوله: "يجري الكذبُ على لسانهم" أي: لأنهم لكثرة اشتغالهم بالعبادة لا يتفرَّغُون لحفْظ الحديث، ولحُسْن نيتهم في نشر العلم لا ينتهون عن روايته فيقعون فيما يقولون) اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>