التطهير لغيرها إذ قد وصفها الله تعالى بالطهارة في نفسها ثم جعلها مطهرة لغيرها وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم وقد قيل له: "أتتوضأ بماء البحر" فقال: "هو الطهور ماؤه" أي الذي يطهركم من الحدث (ومسجدًا) أي موضع صلاة؛ معناه أن من كان قبلنا إنما أبيح لهم الصلوات في مواضع مخصوصة كالبِيَعِ والكنائس، قال القاضي: وقيل إن من كان قبلنا كانوا لا يصلون إلا فيما تيقنوا طهارته من الأرض، وخصصنا نحن بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنا نجاسته (فأيما رجل) من أمتي وكذا المرأة (أدركته الصلاة) أي دخل عليه وقتها (صلى حيث كان) أي في أي محل كان (ونصرت بالرعب) والخوف يقذف في قلوب أعدائي (بين يدي مشرة شهر) أي بين قدام مسافة شهر (وأعطيت الشفاعة) العظمى العامة لأهل المحشر التي لتعجيل الحساب التي يلجأ إليه فيها كل الخلائق لأن الشفاعة في الخاصة جعلت لغيره صلى الله عليه وسلم وقيل المراد شفاعة لا ترد في أحد، وقد تكون شفاعته صلى الله عليه وسلم بخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان لأن شفاعة غيره قبل هذه، وهذه الشفاعة كالتي لتعجيل الحساب اهـ أبي، وقد سبق في كتاب الإيمان بيان أنواع شفاعته صلى الله عليه وسلم.
قال القرطبي:(وقوله في حديث جابر أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي) وفي حديث أبي هريرة (ستًّا) وفي حديث حذيفة (ثلاثًا) لا يظن الباحث أن فيه تعارضًا، وإنما يَظن هذا مَن توهَّم أن ذكر الأعداد يدل على الحصر وأنها لها دليل خطاب وكل ذلك باطل، فإن القائل: عندي خمسة دنانير مثلًا لا يدل هذا اللفظ على أنه ليس عنده غيرها، ويجوز له أن يقول تارة أخرى عندي عشرون، وتارة أخرى عندي ثلاثون، فإن من عنده ثلاثون صدق عليه أن عنده عشرين وعشرة فلا تناقض ولا تعارض، ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعلِم في وقت بالثلاث وفي وقت بالخمس وفي وقت بالست والله سبحانه وتعالى أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٣/ ٣٠٤] والبخاري [٣٣٥]، والنسائي [١/ ٢١٠ - ٢١١].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: