(قلتُ) وقد كتَبْتُ لفظةَ خُطبتِه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليومِ في تفسيرنا حدائق الروح والريحان في تفسيرِ سورةِ الجمعة فراجعه فإنها خطبةٌ بليغة مُؤثِّرة في القلوب اهـ. وقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقم عندنا في العَدَد والعُدَّة والمَنَعة، فقال: خلوا سبيلَها فإنها مأمورة يعني الناقة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به فمر على سبعة أحياء من قبائل الأنصار ما يصر بواحدة إلا ويقول له رجالها مِثْلَ ذلك، ويقول: خلُّوا سبيلَها فإنها مأمورة، حتى أتت دار بني مالك بن النجار ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينْزل، ثم ثارت وسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثُم الْتفَتَتْ خَلْفَها ورجعَتْ إلى مَبْركها أولَ مرة فبركت فيه، ثم تَحَلْحَلَتْ وزَمَّتْ وأَلْقَتْ بِجِرانِها أي بصَدرِها، فنَزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب رضي الله عنه رَحْله، ونزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب، وسأل عن المِرْبَد لِمَنْ هو؟ فقيل لغلامَين يتيمينِ من بني النجار فكان مِنْ شرائه ما في الحديث، فأقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند أبي أيوب حتى بَنَى المسجد وبُنِيَتْ مساكنُه فارتحل إلى مكانه صلى الله عليه وسلم اهـ من الأبي.
(ثم إنه) صلى الله عليه وسلم (أرسل إلى ملأ بني النجار) وأشرافهم، والملأ أشراف القوم وساداتهم سموا بذلك لأنهم أملِياءُ بالرأي والغِنَى، وقيل لأنهم مَلئُوا قلوبَ الناس بالهيبة، أو لأنهم مَلَئُوا المجالسَ بأجسامهم، وبنو النجار قبيلة من الأنصار وهم أخوالُ النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن هاشمًا تزوَّج امرأة من بني النجار تُسمى سَلْمى بنت عمرو بن زيد بن عدي بن النجار فولدَتْ له عبدَ المطلب بن هاشم فمِنْ هنا كانوا أخوال النبي صلى الله عليه وسلم (فجاؤوا متقلدين بسيوفهم) أي جاعلين نِجادَ سيوفهم على مناكبهم خوفًا من اليهود وليُروه ما أعَدُّوه لنصرته صلى الله عليه وسلم (قال) أنس (فكأني أنظر) الآن (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته) وناقته (وأبو بكر رِدْفهُ) صلى الله عليه وسلم أي راكبٌ خَلْفه، قال الأبي: الأظهر أنه في حين قدومه المدينة لا في حين انتقاله من عُلْوِها، وإن أعطاه ظاهرُ اللفظ إلا أن يكون معنى ردفه أنه خلفه على راحلةٍ أخرى، والردف أعمُّ قال تعالى:{مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (وملأ بني