تعظيمه ويخرج عن حد المبرة إلى حد النَّكِيرِ فيُعْبَد مِن دون الله عزّ وجل، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:"اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد" لأن هذا الفعل كان أصل عبادة الأوثان على ما تقدم، ولذا لما كثر المسلمون أيام عثمان رضي الله عنه واحتيج إلى التوسعة في المسجد وامتدت الزيادة حتى أدخلت فيه بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم ومن جملتها بيت عائشة رضي الله تعالى عنها التي دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أدير على القبر المشرف حائط مرتفع كيلا يظهر القبر في المسجد فيصلي إليه العوام فيقعوا في اتخاذ قبره صلى الله عليه وسلم مسجدًا ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من جهة الشمال حتى لا يُمْكِنَ استقبالُ القبر في الصلاة ولذلك قالت: لولا ذلك لبرز قبره (قلت) ولكن هذا الوصف إنما يتوافق مع وضع القبر الشريف في العصر القديم ثم طرأ عليه تعديل في العصر المملوكي ثم العثماني بحيث أصبح القبر ضمن حجرة مربعة تعلوه القبة الخضراء فمن صلى خلف الحجرة لم يكن مستقبلًا القبر لوجود الساتر والله سبحانه وتعالى أعلم.
(قالت) عائشة رضي الله عنها (فلولا ذاك) أي خوف اتخاذ قبره مسجدًا بقرينة السياق وقولها (أبرز قبره) صلى الله عليه وسلم بالبناء للمفعول جواب لولا ولفظ البخاري "لأبرزوا قبره" أي لجعلوه بارزًا منكشفًا للناس لكن لم يبرزوه أي لم يكشفوه بل بنوا عليه حائلًا يمنع الترائي والدخول فامتنع الإبراز لوجود خشية الاتخاذ ولولا حرف لامتناع الشيء لوجود غيره كما هو المعلوم في محله (غير أنه) أي غير أن الشأن والحال (خشي) قال النواوي: بضم الخاء بالبناء للمفعول وفتحها بالبناء للفاعل وفاعله ضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وهما صحيحان أي لكن أنه خيف (أن يتخذ مسجدًا) أي معبدًا فبنى عليه، قال شراح البخاري: وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد ولذا لما وسع المسجد جعلت الحجرة الشريفة -رزقنا الله العود إليها- مثلثة الشكل محددة حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر المشرف مع استقبال القبلة اهـ (وفي رواية) أبي بكر (ابن أبي شيبة ولولا ذاك) بالواو بدل الفاء و (لم يذكر) ابن أبي شيبة لفظة (قالت) عائشة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٦/ ٣٤ و ٨٠] والبخاري [١٣٣٠] والنسائي [٢/ ٤٠ - ٤١].