للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِنَّكُمْ قَدْ أَكْثَرْتُمْ، وإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلهِ تَعَالى -قَال بُكَيرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَال: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ الله- بَنَى الله لَهُ بَيتًا فِي الْجَنَّةِ"

ــ

ويسقفه بالساج وكان ذلك سنة ثلاثين على المشهور ولم يبن المسجد إنشاء وإنما وسعه وشيده (إنكم) أيها الناس (قد كثرتم) الكلام في الإنكار عَلَى ما فَعَلْتهُ (وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول من بنى) حقيقة أو مجازًا (مسجدًا) كبيرًا كان أو صغيرًا، ولابن خزيمة "كمفحص قطاة أو أصغر" ومَفْحَصُها بفتح الميم والحاء المهملة كمقعد هو مجثَّمها لتضع فيه بَيضَها وتَرْقد عليه كأنها تفحص عنه التراب أي تكشفه والفحص البحث والكشف، ولا ريب أنه لا يكفي مقداره للصلاة فيه فهو محمول على المبالغة لأن الشارع يضرب المثل في الشيء بما لا يكاد يقع كقوله "اسمعوا وأطيعوا ولو عبدًا حبشيًّا" وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الأئمة من قريش" أو هو على ظاهره بأن يزيد في المسجد قدرًا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر أو اشترك جماعة في بناءِ مسجد فتقع حصَّةُ كل واحد منهم ذلك القَدْر أو المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع الجبهة فأطلق عليه البناء مجازًا لكن الحمل على الحقيقة أولى، وخص القطاة بهذا لأنها لا تبيض على شجرة ولا على رأس جبل بل إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطير فلذلك شبه به المسجد ولأنها توصف بالصدق فكأنه أشار بذلك إلى الإخلاص في بنائه، وقيل لأن أَفْحوصها يشبه محراب المسجد في استدارته وتكوينه (لله تعالى) أي مخلًا له تعالى في بنائه لا للرياء والسمعة والمحمدة كما في الرواية الأخرى "يبتغي به وجه الله" (قال بكير) المذكور (حسبت أنه) أي أن شيخه عاصمًا (قال) بالإسناد السابق (يبتغي) أي يطلب ويقصد (به) أي ببناء المسجد (وجه الله) عزَّ وجلَّ أي ذاته تعالى طلبًا لمرضاته تعالى لا رياء ولا سمعة، ومَن كتب اسمه على المسجد الذي يَبْنِيه كان بعيدًا من الإخلاص قاله ابن الجوزي. وجملة يبتغي في موضع الحال من ضمير بنى إن كان من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وإنما لم يجزم بكير بهذه الزيادة لأنه نسيها فذكَرَها بالمعنى مترددًا في اللفظ الذي ظنه، والجملة اعتراض بين الشرط وهو قوله من بنى وجوابه وهو قوله (بنى الله) سبحانه وتعالى (له) أي لذلك الباني (بيتًا) كائنًا (في الجنة) لكنه في السعة أفضل مما لا عين رأت ولا أذن

<<  <  ج: ص:  >  >>