عليه مأخوذ من الرَّغَام وهو التراب، ومنه أرغم الله أنفه، والمعنى أن الشيطان لبَّس عليه صلاته وتعرض لإفسادِها ونقصِها فجعل الله تعالى للمصلي طريقًا إلى جبير صلاته وتدارك ما لبَّسَه عليه، وإلى إرغام الشيطان وردِّه خاسئًا مُبْعَدًا عن مراده، وكملت صلاة ابن آدم وامتثل أمر الله تعالى الذي عصى به إبليس من امتناعه من السجود اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٣/ ٨٧] وأبو داود [١٠٢٤ و ١٠٢٦ و ١٠٢٧ و ١٠٢٩]، والترمذي [٣٩٦] والنسائي [٣/ ٢٧] وابن ماجه [١٢١٠].
وقوله في هذا الحديث (فليطرح الشك وليبن علي ما استيقن) تمسك بظاهره جمهور أهل العلم في إلغاء المشكوك فيه والعمل على المتيقن وأَلْحَقُوا المظنونَ بالمشكوك في الإلغاء وردوا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود "فليتحر الصواب من ذلك، إلى حديث أبي سعيد هذا ورأوا أن هذا التحري هو القصد إلى طرح الشك والعمل على المتيقن، وقال أهل الرأي من أهل الكوفة وغيرهم: إن التحري هنا هو البناء على غلبة الظن، وأما أبو حنيفة فقال: ذلك لمن اعتراه ذلك مرة بعد مرة فأما لأول ما ينوبه فليبن علي اليقين، وكأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ جَمَعَ بين الحديثَين باعتبار حَالينِ للشاك اهـ مفهم، قوله (ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم) احتج بظاهره الشافعي لأصل مذهبه على أن سجود السهو كله قبل السلام، وقال الداودي: اختلف قول مالك في الذي لا يدري ثلاثًا صلى أم أربعًا؟ فقال: يسجد قبل السلام، وقال: بعد السلام، والصحيح من مذهبه في هذه الصورة السجود بعد السلام، وقد اعتل أصحابنا لهذا الحديث بأوجه أحدها: أنه يعارضه حديث ذي اليدين حيث زاد النبي صلى الله عليه وسلم ثم سجد بعد السلام وهو حديث لا علة له، وحديث أبي سعيد أرسله مالك عن عطاء وأسنده غيره فكان هذا اضطرابًا فيه والسليم عن ذلك أرجح، وثانيها أن قوله قبل أن يسلم يحتمل أن يريد السلام على النبي صلى الله عليه وسلم الذي في التشهد وهو قوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فإنه سجد ولم يستوف التشهد، وثالثها أنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سها عن إيقاعه بعد السلام فأوقعه قبله واكتفى به إذ قد فعله ولا يتكرر سجود السهو ولا يعاد، ورابعها يحتمل أن يكون شك في قراءة السورة في إحدى الأوليين فيكون معه زيادة الركعة ونقصان قراءة السورة فغلَّب النقصان إلى غير ذلك اهـ قرطبي.