لأنها ذات سبب، ولا يكره عندنا فيها ذوات الأسباب، وفي المسألة خلاف مشهور بين العلماء، وفي سجود التلاوة مسائل وتفريعات مشهورة في كتب الفقه وبالله التوفيق. وقال القرطبي: وقد اختلف العلماء في حكمه وعدده ومحله ووقته وشرطه فلتُرسم في ذلك مسائل:
المسألة الأولى: في حكمه؛ أما حكمه فقد ذهب أبو حنيفة إلى وجوبه عند قراءة موضع السجدة محتجًا في ذلك بما في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ من الأمر بالسجود كقوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)} [النجم: ٦٢]، وكقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)} وغير ذلك، وبقوله صلى الله عليه وسلم "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يَا ويله! أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار" رواه أَحْمد ومسلم من حديث أبي هريرة.
وجمهور العلماء على أن سجود التلاوة ليس بواجب وصرفوا ما ذكر من الأمر بالسجود إلى الصلاة الواجبة، واختلف أصحابنا -يعني المالكية- هل هو سنة أو فضيلة على قولين فإذا قلنا إنه ليس بواجب فالأولى أن يكون سنة لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قد داوم عليه، وفعله في جماعة، وفعله النَّاس بعده فتاكد أمره فيكون سنة والله أعلم.
والمسألة الثَّانية: في عدده؛ أما عدده فقد اختلف في عدد سجدات القرآن، وأقصى ما قيل في عددها خمس عشرة سجدة أولها خاتمة سورة الأعراف وآخرها خاتمة العلق قاله ابن حبيب من أصحابنا وابن وهب في روايةٍ وإسحاق، وقيل أربع عشرة قاله ابن وهب وأسقط ثانية الحج وهو قول أبي حنيفة وأهل الرأي وقول الشَّافعيّ إلَّا أنَّه أسقط سجدة ص، وأثبت آخرة الحج، وقيل إحدى عشرة وأسقط آخرة الحج وثلاث المفصل وهو مشهور مذهب مالك وأصحابه، وروي عن ابن عمر وابن عباس، وقيل عشرة وأسقط آخرة الحج وعن وثلاث المفصل ذكر عن ابن عباس، وقيل إنها أربع سجدات آلم تنزيل وحم تنزيل والنَّجم والعلق، وسبب الخلاف اختلاف النقل في الأحاديث والعمل واختلافهم في الأمر بالسجود في القرآن هل المراد به سجود التلاوة أو سجود الفرض والله أعلم.
المسألة الثالثة: في محله؛ وأما محله فمهما قرأ القرآن ومر بموضع سجدة سجد