للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَمَا بَاعَدْتَ بَينَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. اللَّهمَّ، نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ. اللَّهمَّ، اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ"

ــ

وذنوبي (كما باعدت) الكاف صفة لمصدر محذوف تقديره أي باعد بيني وبينها مباعدةً مثلَ مباعدةِ ما (بين المشرق والمغرب) وهذا من المجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان أي امْحُ ما حَصَل من خطاياي وحُلْ بيني وبين ما يُخاف من وقوعه حتى لا يَبْقَى لها مِنِّي اقترابٌ بالكلية، وهذا الدعاء صَدَر منه صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة في إظهارِ العبودية، وقيل إنه على سبيل التعليم لأمته، وعُورض بكونه لو أراد ذلك لجهر به. وأجيب بورود الأمر بذلك في حديث سمرة عند البزار وأعاد لفظ بين في قوله وبين خطاياي ولم يَقُلْ وبَينَ المغرب لأن العطف على الضمير المخفوض يعاد معه العاملُ بخلاف العطف على الظاهر (اللهم نقني) بتشديد القاف في الموضعين لأنه من باب فَعَّل المضعف المعتل اللام أي صفِّني (من خطاياي كما يُنقى) ويصفى (الثوب الأبيض من الدنس) أي الوسخ، والكاف صفة لمصدر محذوف أي نقِّني من الخطايا تنقية مثل تنقية الثوب الأبيض من الدنس، وهذا مجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها وشبَّه بالثوب الأبيض لأن الدنس فيه أظهر من غيره من الألوان؛ والمعنى طهرني طهارة كاملة معتنى بها كما يُعتنى بتنقية الثوب الأبيض من الوسخ، وقال ملا علي: وفيه إيماء إلى أن القلب بمقتضى أصل الفطرة سليم ونظيف وأبيض وظريف، وإنما يسود بارتكاب الذنوب وبالتخلق بالعيوب (اللهم اغسلني) أي طهرني (من خطاياي بالثلج والماء والبرد) بفتح الراء، وفي رواية البخاري (بالماء والثلج والبرد) وذكر الأخيرين على هذه الرواية للتأكيد أو لأنهما ماءان لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال قاله الخطابي، قال الأبي: قيل ذكر الأنواعَ المنزَّلَة للتطهير التي لا يمكن حصول الطهارة الكاملة إلَّا بأحدها بيانًا لأنواع المغفرة التي لا يُتخلص من الذنوب إلَّا بها أي طهرني بأنواع مغفرتك التي هي في تمحيص الذنوب بمثابة هذه الأنواع الثلاثة في إزالتها للأوضار اهـ منه، والحديث دليل على مشروعية دعاء الافتتاح بعد التحرم بالفرض أو النفل خلافًا للمشهور عن مالك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٢/ ٢٣١ و ٤٩٤]، والبخاري [٧٤٧]، وأبو داود [٧٨١]، والنسائي [١/ ٥٠ - ٥١]، وابن ماجه [٨٠٥].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>