الصلوات أربع ركعات وأقلها ركعتان وأوسطها ثلاث وهي المغرب، وإن راعينا أعداد الصلوات أنفسها فما من صلاة إلا وهي متوسطة بين شفعين إذ الصلوات خمس، وإن راعينا الأوسط من الزمان كان الأبين أنها الصبح لأنها بين صلاتي نهار محقق وهما الظهر والعصر وبين صلاتي ليل محقق وهما المغرب والعشاء، فأما وقت الصبح فوقت متردد بين النهار والليل. (قلت) والله أعلم لا يصلح هذا الذي ذكر أن يكون سببًا في الخلاف فيها إذ لا مناسبة لما ذكر لكون هذه الصلاة أفضل أو أوكد من غيرها.
أما أعداد الركعات فالمناسب هو أن تكون الرباعية أفضل لأنها أَكْثَرُ ركعاتٍ وأكثر عملا والقاعدة أن ما كثر عمله كثر ثوابه، وأما مراعاة أعداد الصلوات فيلزم منه أن تكون كل صلاة هي الوسطى وهو الذي أبطلناه وأيضًا فلا مناسبة بين ذلك وبين أكثرية الثواب، وأما اعتبارها من حيث الأزمان فغير مناسب أيضًا لأن نسبة الصلوات إلى الأزمان كلها من حيث الزمانية واحدة فإن فرض شيء يكون في بعض الأزمان فذلك لأمر خارج عن الزمان، والذي يظهر لي أن السبب في اختلافهم فيها اختلافهم في مفهوم الكتاب والسنة الواردة في ذلك المعنى، ونحن نتكلم على ما ورد في ذلك بحسب ما يقتضيه مساق الكلام وصحيح الأحاديث إن شاء الله تعالى فنقول: إن قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}[البقرة: ٢٣٨] هو من باب قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}[الرحمن: ٦٨] وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَال}[البقرة: ٩٨] فخص الرمان والنخل وجبريل وميكال بالذكر هان كانوا قد دخلوا فيما قبل بحكم العموم تشريفًا وتكريمًا، وإذا كان ذلك كذلك فلهذه الصلاة المعبر عنها بالوسطى شرفية وفضيلة ليست لغيرها غير أن هذه الشرفية لم يعينها الله تعالى في القرآن فوجب أن يبحث عن تعيينها في السنة فبحثنا عن ذلك فوجدنا ما يعينها، وأصح ما في ذلك أنها العصر على ما في حديث علي، وأنص من ذلك ما ذكره الترمذي وصححه وهو قوله صلى الله عليه وسلم "الصلاة الوسطى صلاة العصر" رواه الترمذي [٢٩٨٦ و ٢٩٨٨] من حديث سمرة بن جندب وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما وهذا نص في الغرض غير أنه قد جاء ما يشعث التعويل عليه وهو ما ذكره البراء بن عازب وذلك أنه قال نزلت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فلزم من هذا أنها بعد أن عينت نسخ تعيينها وأبهمت فارتفع التعيين