للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا! قَال: "أَجَلْ، وَلكنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ"

ــ

قائمًا (وأنت) يا رسول الله مع قولك هذا (تصلي قاعدًا، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أجل) أي نعم أصلي قاعدًا (ولكني لست) أنا (كأحد منكم) أي كأحد من الأمة فصلاتي قاعدًا لا ينقص أجرها عن أجر صلاتي قائمًا فكلاهما سواء فإن عملي ذلك لغرض التشريع للأمة فثوابي لا ينقص وإن لم يكن لي عذر في القعود. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [٩٥٠]، والنسائي [٣/ ٢٢٣]، وابن ماجه [١٢٢٩]. قال النواوي: معناه أن ثواب القاعد فيها نصف ثواب القائم فيتضمن صحتها ونقصان أجرها، قال القرطبي: قوله (لست كأحد منكم) أي لا يكون له في صلاته قاعدًا نصف الأجر بل أكثر من ذلك أو الأجر كله، ويحتمل أن يكون معناه لست كأحد منكم ممن لا عذر له ممن قلت له هذا القول فإنه لم يصل قاعدًا حتى ثقل، والأول أظهر.

قال النواوي: وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدًا مع القدرة على القيام فهذا له نصف ثواب القائم، وأما إذا صلى النفل قاعدًا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائمًا، وأما الفرض فإن صلاها قاعدًا مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به، قال أصحابنا: وإن استحله كفر، وجرت عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الربا أوالزنا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم، وإن صلى الفرض قاعدًا لعجزه عن القيام أو مضطجعًا لعجزه عن القيام والقعود فثوابه كثوابه قائمًا لا ينقص باتفاق أصحابنا فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدًا مع قدرته على القيام هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث، وحكاه القاضي عياض عن جماعة منهم الثوري وابن الماجشون، وحكي عن الباجي من أئمة المالكية أنه حمله على المصلي فريضة لعذر أو نافلة لعذر أو لغير عذر، قال: وحمله بعضهم على من له عذر يُرخص في القعود في الفرض والنفل ويمكنه القيام بمشقة اهـ. قوله (فوضعت يدي على رأسه) صلى الله عليه وسلم هذا يدل على عظيم تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحنانه وحُسن أخلاقه، وأنه كان مع خاصة أصحابه فيما يرجع إلى المعاشرة والمخالطة كواحد منهم إذ كان يباسطهم ويمازحهم ويكون معهم في عملهم ولا يستأثر عليهم ولا يترفع عنهم، ولذلك كانت الأمة من إماء أهل المدينة تأخذ بيده وتنطلق به حيث شاءت ويجلس يحدثها حيث أرادت، ومن كانت هذه حاله فلا يستنكر من بعض أصحابه أن يعامله بمثل ذلك في بعض الأحوال سيما وكان مقصود

<<  <  ج: ص:  >  >>