ابتدائية، وهو مبتدأ خبره (أشد) أي استذكروا القرآن وراجعوه ليلًا ونهارًا لأنه أشد أي أكثر (تفصيا) أي تخليصًا وتفلتًا وخروجًا (من صدور الرجال) وقلوب الحفاظ، الجار والمجرور متعلق بتفصيًا، وقوله (من النعم) متعلق بأشد، وقوله (بعقلها) متعلق بالتفصي المقدر والباء بمعنى من أي لأن القرآن أكثر تخلصًا من صدور الحفاظ من تفصي النعم وتخلصها من عقلها لتشرد، يقال تفصيت من الأمر إذا خرجت منه، والنعم بفتحتين، قال النواوي: أصلها الإبل والبقر والغنم، والمراد به هنا الإبل خاصةً لأنها التي تعقل وهي تذكر وتؤنث، وقوله (بعقلها) قال النواوي: الباء بمعنى من كما في قوله تعالى عينًا يشرب بها عباد الله أي منها على أحد القولين في معناها، والقول الثاني في الآية الباء على معناها، ويشرب بمعنى يروي، وكما في رواية الجامع الصغير (من عُقلها) وكما في الرواية الآتية (من عُقله) بتذكير النعم وهو صحيح كما ذكرناه آنفًا، ويحتمل أن تكون الباء هنا للمصاحبة أو الظرفية أي أشد تفصيًا من تفصي النعم حالة كونها ملتبسةَ بعُقلها أو في عُقلها ويعني به تشبيه من يتفلت منه بعض القرآن بالناقة التي انفلتت من عِقالها وبقي متعلقًا بها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [١/ ٤٢٩] والبخاري [٥٠٣٩] والترمذي [٢٩٤٣] والنسائي [٢/ ١٥٤].
وعبارة المفهم في هذا الحديث: قوله (بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت) بئسما هي بئس التي للذم أخت نعم التي هي للمدح وهما فعلان غير متصرفين يرفعان الفاعل ظاهرًا أو مضمرًا إلَّا أنَّه إن كان ظاهرًا لم يكن في الأمر العام إلَّا بالألف، واللام للجنس أو مضافًا إلى ما هما فيه حتَّى يشتمل على الممدوح بهما أو المذموم ولا بد من ذكر الممدوح أو المذموم تعيينًا كقولك نِعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، فإن كان فاعلهما مضمرًا فلا بد من ذكر اسم نكرة ينصب على التمييز لذلك المضمر كقولك نِعم رجلًا زيد وقد يكون هذا تفسير ما كما في هذا الحديث وكما في قوله تعالى {فَنِعِمَّا هِيَ}[البقرة: ٢٧١] وقد يجمع بين الفاعل الظاهر وبين المفسر، كما قال جرير:
تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا
والاسم الممدوح أو المذموم مرفوع بالابتداء، وخبره الجملة المتقدمة من نِعم وبئس وفاعلهما، وقيل على الخبر وإضمار المبتدإ. واختلف العلماء في متعلق هذا الذم فقال بعضهم: هو على نسبة الإنسان النسيان إلى نفسه إذ لا صنع له فيه فالذي ينبغي له