(ويحك) أي ألزمك الله الويح والترحم، وهي كلمة تقال لمن وقع في هلكة (والله) أي أقسمت لكم بالله الذي أنزل القرآن بالحق (لقد قرأتها) أي قرأت هذه السورة (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) مثل ما قرأتها عليكم (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحسنت) في قراءتك وأصبت قال عبد الله (فبينما أنا كلمه) أي أكلم ذلك الرجل (إذ وجدت) وشممت (منه) أي من ذلك الرجل (ريح الخمر) أي رائحة المسكر، وإذ فجائية رابطة لجواب بينما، وبينما أصله بين فزيدت عليه ما الكافة فكفته عن الإضافة إلى المفرد فلزمت الإضافة إلى الجملة وهو متعلق بالجواب أي بينما أوقات تكليمي إياه فاجأني إحساس رائحة الخمر منه بحاسة الشم (قال) عبد الله (فقلت) له (أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب) المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أي تنكر بعضه جاهلًا وليس المراد التكذيب الحقيقي لأنه لو كذبه حقيقةً لكفر وصار مرتدًا يجب قتله، وقد أجمعوا على أن من جحد حرفا مجمعا عليه من القرآن فهو كافر تجري عليه أحكام المرتدين اهـ نووي. قال عبد الله: فقلت له (لا تبرح) أيها الرجل أي لا تزال ملازمًا لي أو لا تنتقل عن هذا المكان (حتى أجلدك) وأضربك الضرب الخاص (قال) عبد الله (فجلدته) أي ضربت الرجل (الحد) أي جلد حد الخمر وهو أربعون جلدةً لعله جلده لحصول اعترافه به، ولعله كان لابن مسعود ولاية إقامة الحدود هناك كما ذكره النواوي.
قال القرطبي: قوله (أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب) نسبه إلى التكذيب بالكتاب على جهة التغليظ وليس على حقيقته إذ لو كان كذلك لحكم برِدَّتِهِ أو قتله إذ هذا حكم من كذب بحرف منه، وكان الرجل إنما كذب عبد الله لا القرآن وهو الظاهر من قول الرجل ما هكذا أنزلت جهالةً منه أو قلة حفظ أو قلة تثبت لأجل السّكَر والله أعلم اهـ. وحد ابن مسعود للرجل الذي وجد منه ريح الخمر هو مذهب كافة العلماء خلافًا لأبي حنيفة والثوري، قال النواوي: وهو مذهبنا لأن الرائحة قد تكون لأنه شربه مكرهًا أو نسيانًا أو لأنه اشتبه عليه ولعل الرجل في القضية اعترف وحده بحمص وهو إنما كان قاضيًا لعمر وصدرًا من خلافة عثمان بالكوفة فلعله راعى حكمه حيثما حل أو كان مقدمًا