(نصليهما) أي نصلي الركعتين قبل المغرب (فلم يأمرنا) بالمواظبة عليهما (ولم ينهنا) أي لم يزجرنا عن فعلهما بل سكت عنا وقررنا عليها فصار تقريرًا، قال القرطبي: ظاهر حديث أنس أن الركعتين بعد غروب الشمس وقبل صلاة المغرب كان أمرًا قرر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه وأنهم عملوا بذلك وتضافروا عليه حتى كانوا يبتدرون السواري لذلك وهذا يدل على الجواز وعدم الكراهية بل على الاستحباب لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم (بين كل أذانين صلاة) وإلى جواز ذلك ذهب كثير من السلف وأحمد وإسحاق، وروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وجماعة من الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أنهم كانوا لا يصلونها وهو قول مالك والشافعي، وقال النخعي: هي بدعة وكأنه لم يبلغه حديث أنس.
قال ابن أبي صفرة: وصلاتها كان في أول الإسلام ليتبين خروج الوقت المنهي عنه بمغيب الشمس ثم التزم الناس المبادرة بالمغرب لئلا يتباطأ الناس عن وقت الفضيلة للمغرب، وقد يقال لأن وقتها واحد على قول أكثر العلماء ولا خلاف بينهم في أن المبادرة بها وإيقاعها في أول وقتها أفضل وتجويز الاشتغال بغيرها في ذلك الوقت ذريعة إلى خلاف ذلك اهـ من المفهم.
قال النواوي: وفي صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب" قال في الثالثة "لمن شاء" وأما قولهم يؤدي إلى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنة فلا يلتفت إليه ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به صلاة المغرب عن أول وقتها، وأما من زعم النسخ فهو مجازف لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ وليس هنا شيء من ذلك والله أعلم اهـ منه، قال الحافظ ابن حجر: قلت: ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر، قيل والحكمة في الندب إليهما رجاء إجابة الدعاء لأن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، وكلما كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر اهـ فتح الباري. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن الجماعة والله أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث آخر له رضي الله عنه فقال.